حكم الله تعالى عليهم ، وأطلقوا حكمهم عليه تعالى ، وما في الكفر أقبح من هذا ولا أطم ولا أبرد.
قال أبو محمد : ورأيت للباقلاني في فصل من كلامه أن الناس ليسوا عاجزين عن مثل القرآن ولا قادرين عليه ، ولا هم عاجزون عن الصعود إلى السماء ، ولا عن إحياء الموتى ، ولا عن خلق الأجسام ولا اختراعها ولا قادرين على ذلك. هذا نص كلامه دون تأويل منا عليه ثم قال إن القدرة لا تقع إلا حين يقع العجز.
قال أبو محمد : وكل هذا هوس لا يأتي به إلا الممرور ، وأطم من ذلك احتجاجه بأن العجز لا يقع إلا حيث تقع القدرة ، ولا تدري في أيّ لغة وجدوا هذا الكذب أم في أي عقل وجدوا هذا السخف ، وما شك ذو علم باللغة من العامة والخاصة في بطلان قوله ، وفي أن العجز ضد القدرة ، وأن ما قدر الإنسان عليه فلم يعجز عنه في حين قدرته عليه ، وأن ما عجز عنه فلم يقدر عليه في حين عجزه عنه ، وأنّ نفي القدرة إثبات للعجز وأنّ نفي العجز إثبات للقدرة ، ما يجهل هذا عاميّ أصلا ، وهو أيضا معروف بأول العقل. والعجب أن يأتي بمثل هذه الدعاوى السخيفة دون دليل أصلا ، لكن حماقات وضلالات يطلقها هذا الجاهل وأمثاله من الفسّاق في دين الله تعالى فيتلقفها عنهم من أضله الله تعالى ، ونعوذ بالله من الخذلان. وقد قال الله تعالى : (وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ) [سورة التوبة : ٢].
فاقتضى هذا أنّهم مقدور عليهم لله تعالى. وقال تعالى : (فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ) [سورة الأحقاف : ٣٢].
فوجب أنه مقدور عليه. وقال تعالى : (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [سورة البقرة : ٢٨٤] فصح أنه غير عاجز وبالله تعالى التوفيق.