قال أبو محمد : فإن اعترضوا بقول الله تعالى : (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) [سورة غافر : ٦٠] وبقوله تعالى : (أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ) [سورة البقرة : ١٨٦]. فهذا حق وإنما هو بلا شك في الممكنات التي علم الله تعالى أنها تكون لا فيما علم الله تعالى أنه لا يكون ولا في المحال. ونسألهم عمن دعا إلى الله تعالى في أن يجعله نبيا أو في أن ينسخ دين الإسلام ، أو بأن يعجل القيامة قبل وقتها ، أو أن يمسخ الناس كلهم قردة أو بأن يجعل له عينا ثالثة ، أو بأن يدخل الكفار الجنة والمؤمنين النار ، أو ما أشبه هذا ، فإن أجازوا كل هذا كفروا ، ولحقوا مع كفرهم بالمجانين ، وإن منعوا من كل هذا تركوا استدلالهم بالآيات المذكورة ، وصحّ أن الإجابة إنما تكون في خاصّ من الدعاء لا في العموم وبالله تعالى التوفيق.
قال أبو محمد : وصح أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال لأسامة وخالد : «هلّا شققت على قلبه لتعلم أقالها متعوذا أم لا؟» (١).
قال أبو محمد : فلو جاز ظهور المعجزة على غير نبي على سبيل الكرامة ، لوجب القطع على ما في قلبه وأنه وليّ الله تعالى ، وهذا لا يعلم من أحد بعد الصحابة رضي الله عنهم الذين ورد فيهم النص.
وأما قول الباقلاني إن الله تعالى لا يقدر على إظهار آية على يد كذاب ، فهو داخل في جملة تعجيزه الباري تعالى ، وهو أيضا تعجيز سخيف داخل في جملة المحال ، ذلك أنه جعل الله تعالى قادرا على إظهار الآيات على كل ساحر ، فإن علم أنه يقول إنه نبي لم يقدر على أن يظهرها عليه ، وهذا قول في غاية الفساد ، لأن من قدر على شيء لم يجز أن يبطل قوته عليه علمه بأن ذلك الذي يظهر فيه الفعل يقول أنا نبي ، ولا يتوهم هذا ولا يتشكل في العقل ولا يمكن البتة ، وإنما هم قوم أهملوا
__________________
(١) رواه مسلم في الإيمان حديث ١٥٨ ، وأبو داود في الجهاد باب ٩٥ ، وابن ماجة في الفتن باب ١ ، وأحمد في المسند (٤ / ٤٣٩ ، ٥ / ٢٠٧) ، ولفظ الحديث عند مسلم : عن أسامة بن زيد قال : بعثنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم في سريّة ، فصبّحنا الحرقات من جهينة ، فأدركت رجلا فقال : لا إله إلا الله فطعنته ، فوقع في نفسي من ذلك ، فذكرته للنبي صلىاللهعليهوسلم فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أقال لا إله إلّا الله وقتلته؟» قال : قلت : يا رسول الله إنما قالها خوفا من السلاح. قال : «أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا؟». فما زال يكرّرها عليّ حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ. قال : فقال سعد : وأنا والله لا أقتل مسلما حتى يقتله ذو البطين ـ يعني أسامة. قال : قال رجل : ألم يقل الله : وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كلّه لله؟ فقال سعد : قد قاتلنا حتى لا تكون فتنة ، وأنت وأصحابك تريدون أن تقاتلوا حتى تكون فتنة.