التي ظهرت فيها الحياة. وسواء كان الذي ظهرت فيه الآية صالحا أو فاسقا ، وذلك كنحو النور الذي ظهر في سوط عمرو بن حممة الدوسي ، وبرهان ذلك أنه لم يظهر بعد موت النبي صلىاللهعليهوسلم.
قال أبو محمد : فإن قيل : إذا أجزتم أن تظهر المعجزة في غير نبي لكن في عصر نبي لتكون آية لذلك النبي ، فهلا أجزتموه كذلك بعد موت النبي صلىاللهعليهوسلم لتكون آية له أيضا ، ولا فرق بين الأمرين؟ قلنا : إنما أجزنا ذلك في الجماد وسائر الحيوان ، وفيمن شاء الله إظهار ذلك فيه من الناس لا يخصّ بذلك فاضل لفضله ، ولا يمنع ذلك في فاسق لفسقه ، أو كافر ، وإنما ننكر على من خص بذلك الفاضل فجعلها كرامة له ، فلو جاز ذلك بعد موت النبي صلىاللهعليهوسلم لأشكل الأمر ، ولم نكن في أمن من دعوى من ادّعى أنها آية لذلك الفاضل أو لذلك الفاسق ، أو لإنسان من الناس يدعيها آية له ، ولو كان ذلك لكان إشكالا في الدّين وتلبيسا من الله تعالى على جميع عباده ، أوّلهم عن آخرهم ، وهذا خلاف وعد الله تعالى لنا وإخباره بأنه قد بين علينا الرشد من الغيّ ، وليس كذلك ما كان في عصر النبي صلىاللهعليهوسلم لأنه لا يكون إلا من قبل النبي صلىاللهعليهوسلم وبإخباره وإنذاره ، فبدت بذلك أنها له لا للذي ظهرت منه ، وهذا في غاية البيان والحمد لله رب العالمين.
قال أبو محمد : وأما الذي روي في الثلاثة أصحاب الغار وانفراج الصّخرة ثلثا ثلثا عند ما ذكروا من أعمالهم فلا تعلق لهم به ، لأن تكسير الصخرة ممكن في كل وقت ولكل أحد بلا إعجاز ، وما كان هكذا فجائز وجوده بالدعاء ، وبغير الدّعاء ، لكن وقع وفاقا لتمنّيه كمن دعا في موت عدوه أو تفريج غمّه أو بلوغ أمنيته في دنياه ، ولقد حدثني حكم بن منذر بن سعيد ، أن أباه رحمهالله كان في جماعة في سفر في صحراء فعطشوا وأيقنوا بالهلكة ، ونزلوا في ظل جبل ينتظرون الموت. قال : فأسندت رأسي إلى حجر ناتئ فتأذيت به فقلعته فاندفع الماء العذب من تحته ، فشربنا وتزودنا ، ومثل هذا كثير مما يفرج ، وحتى لو كانت معجزة لوجب بلا شك أن يكونوا أنبياء أو لنبي ممن في زمن نبي ، ولا بد مما قدمناه.
قال أبو محمد : ولا عجب أعجب من قول من يجيز قلب الأعيان للساحر ، وهو عندهم فاسق أو كافر ، ويجيز مثل ذلك للصالح وللنبي ، فقد جاز عندهم قلب الأعيان للنبي ، وللصالح ، وللفاسق ، وللكافر ، فوجب أن قلب الأعيان جائز من كل أحد وتبا لقول أدى إلى مثل هذا. وهم يجيزون للمغيرة بن سعيد وبيان ومنصور الكشف قلب الأعيان ، على سبيل السحر ، وقد جاء بعدهم من يدعي لهم النبوة بها ، فاستوى عند هؤلاء المخذولين النبي والساحر ، نعوذ بالله من الضلال المبين.