مخلص لهم منه ، وقد عاب الله عزوجل من ذهب إلى هذا فقال : (وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً مِنَ السَّماءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ لَقالُوا إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ) [سورة الحجر : ١٥] فلو جاز أن يكون للسحر حقيقة تشبه ما يأتي به الأنبياء عليهمالسلام وأمكن أن يشبه على البصر ، ما ذمّهم الله تعالى إن قالوا شيئا يمكن كونه ، لكنهم لما قالوا ما لا يمكن البتة وتعلقوا بذلك في دفع الحقائق ، عابهم الله تعالى بذلك وأنكر عليهم.
قال أبو محمد : وليس غلط الحواس في بعض الأوقات من باب التشبيه عليها في شيء ، لأن أحدنا قد يرى شخصا على بعد لا يشك فيه إلا أنه تنازع فقطع أنه إنسان أو أنه فلان فقطع بظنه ، ولو أنه لم يعمل ظنه ولا قطع به لكان باقيا على ما أدرك من الحقيقة ، وهكذا في كل ما حكم فيه المرء بظنه ، وأما ذو الآفة كمن فيه ابتداء نزول الماء فيرى خيالات لا حقيقة لها فهو أيضا كما ذكرنا دائما ، وإنما الماء المطل على حدقته يوهمه أنه رأى شيئا وقطع بذلك ، فإذا ثبت في كل ذلك لاح له الحق من الظن ، وكذلك من فسد مكان التخيل من دماغه ، فإن نفسه تظن ما تتوهمه فتقطع به ، ولو قوي تمييزها لفرقت بين الحق والباطل ، وهكذا القول في إدراك السمع والذوق وهذا كله يجري على رتب مختلفة ممن أعمل ظنه ، وعلى رتب غير مختلفة في حمل هذه الآفات ، بل هي ثابتة عند أهل التحقيق والمعرفة معروفة العلاج ، حتى يعود منها إلى صلاحه ما لم يستحكم فساده ، فلا يظن ظان أنه يمكن أن نكون في مثل حال هؤلاء إذ لو كان هذا لم نعرف شيئا من العلوم على رتبه وأحكامه الجارية على سنن واحد. وبالله تعالى التوفيق.
ثم نسألهم : بأي شيء تعرفون أنه لم يشبه على عيونكم؟ فقد عرفناكم نحن بما ذا نعرف أن حواسنا سليمة ما دامت سليمة ، وأن عقولنا سالمة ما دامت سالمة ، وبما ذا نعرف الحواس المدخولة والعقول المدخولة ، وغير المدخولة؟ وهو جري ما أدرك بالحواس السليمة والعقول السليمة على رتب محدودة معلومة لا تتبدل عن حدودها أبدا ، وجري ما أدرك بالحواس الفاسدة والعقول المدخولة على غير رتب محدودة ، فإنهم لا يقدرون على فرق أصلا ، وبالله تعالى التوفيق.
قال أبو محمد : وكذلك ما ذكر عمن ليس نبيا من قلب عين أو إحالة طبيعة فهو كذب إلا ما وجد من ذلك في عصر نبي فإنه آية لذلك النبي وذلك الذي ظهرت عليه آية ، بمنزلة الجذع الذي ظهر فيه الحنين ، والذراع الذي ظهر فيه النطق ، والعصا