هو بالمماسّة. فلا يجوز لأحد أن يزيد على ذلك شيئا ومن زاد على هذا شيئا فقد قفا ما لا علم له به وهو حرام لا يحل ، قال عزوجل : (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) [سورة الإسراء : ٣٦]. وهذه أمور لا يمكن أن تعرف البتة إلا بخبر صحيح عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ولا خبر عنه عليهالسلام بغير ما ذكرنا وبالله تعالى التوفيق. فصح أن الشيطان يمس الإنسان الذي يسلطه الله عزوجل عليه مسّا كما جاء في القرآن ، ويثير به من طبائعه السوداء والأبخرة المتصاعدة إلى الدماغ كما يخبر به عن نفسه كل مصروع بلا خلاف ، فيحدث الله عزوجل له الصرع والتخبط حينئذ كما نشاهده ، وهذا هو نص القرآن وما توجبه المشاهدة ، وما زاد على هذا فخرافات من توليد العزّامين والكذابين وبالله تعالى نتأيد.
وأما قول رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إن الشّمس تطلع ومعها قرن الشّيطان ، فإذا ارتفعت فارقها ، فإذا استوت قارنها ، فإذا زالت فارقها وإذا جنحت للغروب قارنها فإذا غربت فارقها» ونهى عن الصلاة في هذه الأوقات (١).
أو كما قال عليهالسلام مما هذا معناه بلا شك. فقد قلنا إنه عليهالسلام لا يقول إلا بالحق وأن كلامه كله على ظاهره ، إلا أن يأتي نص بأنّ هذا النص ليس على ظاهره فنسمع ونطيع ، أو يقوم بذلك برهان من ضرورة حسّ ، أو أول عقل ، فنعلم أنه عليهالسلام إنما أراد ما قد قام بصحته البرهان لا يجوز غير ذلك. وقد علمنا يقينا أن الشمس في كل دقيقة طالعة على أفق من الآفاق ، مرتفعة على آخر ، مستوية على ثالث ، زائلة عن رابع ، جانحة للغروب على خامس ، غاربة على سادس.
هذا ما لا شك فيه عند كل ذي علم بالهيئة ، فإذ ذلك كذلك فقد صح يقينا أنه عليهالسلام إنما عنى بذلك أفقا ما دون سائر الآفاق لا يجوز غير ذلك ، إذ لو أراد كل أفق لكان الإخبار بأنه يفارقها كذبا ، وحاشى له من ذلك ، فإذ لا شك في هذا كله فلا مرية في أنه عليهالسلام إنما عنى به أفق المدينة ، وهو الأفق الذي أخبر أهله بهذا الخبر ، فأنبأهم بما يقارن الشمس في تلك الأحوال وما يفارقها من الشيطان ، والله عزوجل أعلم بذلك القرن ما هو ، لا نزيد على هذا إذ لا بيان عندنا فيما بينه. إلا أنه ليس شيء من ذلك بممتنع أصلا ، فصح بما ذكرنا أن أول الخبر خاص كما وصفنا ،
__________________
(١) رواه النسائي في المواقيت باب ٣١. وابن ماجة في الإقامة باب ١٤٨. ومالك في القرآن (حديث ٤٤). وأحمد في المسند (٤ / ٣٤٨ ، ٣٤٩).