قال عليهالسلام ، وكذلك في رواية عن أبي هريرة للذي رأى أنها هي معجزة لرسول الله صلىاللهعليهوسلم. ولا سبيل إلى وجود خبر يصح برؤية حتى بعد موت النبي صلىاللهعليهوسلم وإنما هي منقطعات أو عمن لا خير فيه.
قال أبو محمد : وهم أجسام رقاق صافية هوائية لا ألوان لهم وعنصرهم النار ، كما أن عنصرنا التراب ، بذلك جاء القرآن قال عزوجل : (وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ) [سورة الحجر : ٢٧]. والنار والهواء عنصران لا لون لهما ، وإنّما حدث اللون في النار المشتعلة عندنا لامتزاجها برطوبات ما تشتعل فيه من الحطب والكتان والأدهان وغير ذلك ، ولو كانت لهم ألوان لرأيناهم بحاسة البصر ، ولو لم يكونوا أجساما صافية رقاقا هوائية لأدركناهم بحاسة اللّمس. وصح النص بأنهم يوسوسون في صدور الناس ، وأن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم (١) ، فوجب التّصديق بكل ذلك حقيقة ، وعلمنا أنّ الله عزوجل جعل لهم قوة يتوصلون بها إلى قذف ما يوسوسون به في النفوس ، برهان ذلك قول الله تعالى : (مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) [سورة الناس : ٤ ـ ٦].
وأخبر عزوجل أن الجن والناس يوسوسون في صدور الناس ونحن نشاهد الإنسان يرى من له عنده ثأر فيضطرب وتتبدل أعراضه وصورته وأخلاقه وتثور ناريته ، ويرى من يحب فيحدث له حال أخرى ويبتهج وينشط ، ويرى من يخاف فتحدث له حال أخرى ، من صفرة ورعشة وضعف نفس ، ويشير إلى إنسان آخر بإشارات يحيل بها طبائعه فيغضبه مرة ، ويخجله أخرى ، ويفزعه ثالثة ، ويرضيه رابعة ، وكذلك يحيله أيضا بالكلام إلى جميع هذه الأحوال ، فعلمنا أن الله عزوجل جعل للجن قوى يتوصلون بها إلى تغيير النفوس ، والقذف فيها بما يستدعونها إليه ، نعوذ بالله من الشيطان الرجيم ووسوسته ، ومن شرار الناس ، وعلى هذا جريه من ابن آدم مجرى الدم ، كما قال الشاعر :
وقد كنت أجري في حشاهن مرة |
|
كجري معين الماء في قصب الآس |
قال أبو محمد : وأما الصرع فإن الله عزوجل قال : (الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِ) [سورة البقرة : ٢٧٥] فذكر عزوجل أن تأثير الشيطان في المصروع إنما
__________________
(١) رواه البخاري في الأحكام باب ٢١ ، وبدء الخلق باب ١١ ، والاعتكاف باب ١١ و ١٢. وأبو داود في الصوم باب ٧٨ ، والسنة باب ١٧ ، والأدب باب ٨١. وابن ماجة في الصيام باب ٦٥. والدارمي في الرقاق باب ١٦. وأحمد في المسند (٣ / ١٥٦ ، ٢٨٥ ، ٣٠٩ ، ٦ / ٣٣٧).