فذكر أن انتزاع العادة يشتد ، إلّا أنه ممكن غير ممتنع ، بخلاف إزالة الطبيعة التي لا سبيل إليها. وربما وضعت العرب لفظة العادة مكان لفظة الطبيعة كما قال حميد بن ثور الهلالي :
سل الرّبع أنّى يمّمت أم سالم |
|
وهل عادة للرّبع أن يتكلّما |
قال أبو محمد : وكل هذه الطبائع والعادات مخلوقة ، خلقها الله عزوجل فرتّب الطبيعة على أنها لا تستحيل أبدا ، ولا يمكن تبدّلها عند كلّ ذي عقل كطبيعة الإنسان بأن يكون له التصرف في العلوم والصناعات إن لم تعترضه آفة ، وطبيعة الحمر والبغال بأن ذلك غير ممكن منها ، وكطبيعة البرّ ألّا ينبت شعيرا ولا جوزا ، وهكذا في كل ما في العالم ، والقوم مقرون بالصفات وهي الطبيعة نفسها ، لأن من الصفات المحوّلة في الموصوف ما هو ذاتي لا يتوهم زواله إلّا بفساد حامله وسقوط الاسم عنه كصفات الخمر التي إن زالت عنها صارت خلًّا وبطل اسم الخمر عنها ، وكصفات الخبز واللحم التي إذا زالت عنهما صارت زبلا ، وسقط اسم الخبز واللحم عنهما ، وهكذا كل شيء له صفة ذاتية ، فهذه هي الطبيعة.
ومن الصفات المحمولة في الموصوف ما لو توهم زواله عنه لم يبطل حامله ، ولا فارقه اسمه ، وهذا القسم ينقسم أقساما ثلاثة ، فأحدها ممتنع الزوال كالعطس ، والقصر ، والزّرق وسواد الزنجي ونحو ذلك ، إلا أنه لو توهم زائلا لبقي الإنسان إنسانا بحاله. وثانيها بطيء الزوال كالمردة وسواد الشعر ، وما أشبه ذلك ، وثالثها : سريع الزوال كحمرة الخجل وصفرة الوجل ، وكمدة الهم ونحو ذلك. فهذه هي حقيقة الكلام في الصفات ، وما عدا ذلك فطريق السوفسطائية الذين لا يحققون حقيقة ونعوذ بالله من الخذلان.