جبلني عليهما يا رسول الله أم هما كسب؟ فقال له رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «بل الله جبلك عليهما» (١).
ومثل هذا كثير ، وكل هذه الألفاظ أسماء مترادفة لمعنى واحد عندهم ، وهو قوة في الشّيء يوجد بها على ما هو عليه ، فاضطرب ولجأ إلى أن قال أقول بهذا في الناس خاصة ، فقلت له : وأنّى لك بالتخصيص وهذا موجود بالحس وببديهة العقل في كل مخلوق في العالم؟ فلم يكن عنده تمويه.
قال أبو محمد : وهذا المذهب الفاسد حداهم على أن سمّوا ما يأتي به الأنبياء عليهمالسلام من الآيات المعجزات خرق عادة ، لأنهم جعلوا امتناع شق القمر ، وشق البحر ، وامتناع إحياء الموتى ، وإخراج ناقة من صخرة وسائر معجزاتهم إنما هي عادات فقط.
قال أبو محمد : معاذ الله من هذا ولو كان ذلك عادة لما كان فيها إعجاز أصلا ، لأن العادة في لغة العرب : الدأب والديدن والديدان ألفاظ مترادفة على معنى واحد ، وهي ما كثر استعمال الإنسان له مما لا يؤمن من تركه إياه ، ولا ينكر زواله عنده بل هو ممكن وجود غيره ومثله ، بخلاف الطبيعة التي الخروج عنها ممتنع ، فالعادة هي استعمال العرب للعمامة والتّلحي ، وحمل القناة ، وكحمل بعض الناس القلنسوة ، وكاستعمال بعضهم حلق الشعر ، وبعضهم توفيره. قال الشاعر :
تقول وقد درأت لها وضيني |
|
أهذا دينه أبدا وديني |
(٢) وقال آخر :
ومن عاداته الخلق الكريم
وقال آخر :
قد عوّد الطير عادات وثقن بها |
|
فهنّ يصحبنه في كلّ مرتحل |
وقال آخر :
عوّدت نفسك عادة فاصبر لها
وقال آخر :
وشديد عادة منتزعه
__________________
(١) رواه أبو داود في الأدب باب ١٤٩ ، وابن ماجة في الزهد باب ١٨ ، وأحمد في المسند (٤ / ٢٠٦).
(٢) الرجز للمثقب العبدي يذكر ناقته. ويروى البيت الأول : «تقول إذا درأت لها وضيني». انظر لسان العرب (١٣ / ١٦٩ ـ مادة دين).