فعادت الآية حجة عليهم ، وبرهانا على أن الاسم غير المسمى بلا شك ، وبالله التوفيق.
وأما قولهم : إن الاسم مشتق من السمو ، وقول بعض من خالفهم مشتق من الوسم فقولان فاسدان كلاهما باطل ، افتعله أهل النحو ، لم يصح قط عن العرب شيء منهما وما اشتق لفظ الاسم قط من شيء ، بل هو اسم موضوع مثل حجر ، ورمل ، وخشبة وسائر الأسماء لا اشتقاق لها ، وأول ما تبطل به دعواهم هذه الفاسدة أن يقال لهم : قال الله عزوجل : (قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) [سورة البقرة : ١١١].
فصح أن من لا برهان له على صحة دعواه فليس صادقا في قوله ، فهاتوا برهانكم على أن الاسم مشتق من السمو أو من الوسم ، وإلا فهي كذبة كذبتموها على العرب وافتريتموها عليهم أو على الله تعالى الواضع للغات كلها ، وقول عليه تعالى أو على العرب بغير علم ، وإلّا فمن أين لكم أن العرب اجتمعوا فقالوا نشتق لفظة اسم من السمو أو من الوسم ....؟ والكذب لا يستحله مسلم ، ولا يستسهله فاضل ، ولا سبيل لهم إلى برهان أصلا بذلك. وأيضا فلو كان الاسم مشتقا من السمو كما تزعمون فتسمية العذرة ، والكلب ، والجيفة ، والقذر ، والشرك والخنزير والخساسة رفعة لها وسموّ لهذه المسميات ، وتبّا لكل قول أدى إلى هذا الهوس البارد. وأيضا فهبك أنه قد سلّم لهم قولهم أن الاسم مشتق من السمو ، أيّ حجة في ذلك على أن الاسم هو المسمى ...؟ بل هو حجة عليهم لأن ذات المسمى ليست مشتقة أصلا ولا يجوز عليها الاشتقاق من السمو ولا من غيره فصح بلا شك أن ما كان مشتقا فهو غير ما ليس مشتقا ، والاسم بإقرارهم مشتق والذات المسماة غير مشتقة.
فالاسم غير الذات المسماة ، وهذا يلوح لكل من نصح نفسه أن المحتج بمثل هذا السفه عيّار مستهزئ بالناس ، متلاعب بكلامه ، ونعوذ بالله من الخذلان.
قال أبو محمد : وهذا قول يؤدي من اتبعه وطرده إلى الكفر المجرد ، لأنهم قطعوا أن الاسم مشتق من السموّ وقطعوا أن الاسم هو الله نفسه ، فعلى قولهم المهلك الخبيث أن الله مشتق وأن ذاته نفسها مشتقة ، وهذا ما لا ندري كافرا بلغه ، والحمد لله على ما منّ به من الهدى. وأيضا فإن الله تعالى يقول : (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) إلى قوله تعالى (قالَ يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ) [سورة البقرة : ٣١ ـ ٣٣].
قال أبو محمد : فلا يخلو أن يكون الله عزوجل علم آدم الأسماء كلّها ، كما