الجميع يطبقون على أن الله عزوجل خلق ما خلق بلا معاناة ، فإذ لا شكّ في ذلك فقد صح يقينا أنه لا واسطة بين الله وبين ما خلق ، ولا ثالث في الوجود غير الخالق والمخلوق ، وخلق الله تعالى ما خلق حق موجود ، وهذا بلا شك مخلوق وهو بلا شك ليس هو الخالق فهو المخلوق نفسه بيقين لا شك فيه ، إذ لا ثالث هاهنا أصلا وبالله تعالى التوفيق.
قال أبو محمد : وكل من دون الله تعالى يفعله هو مفعوله نفسه لا غير لأنه لا يفعل أحد دون الله تعالى إلا حركة أو سكونا أو تأثيرا أو معرفة أو فكرة أو إرادة ، ولا مفعول لشيء دون الله تعالى إلا ما ذكرنا فهي مفعولات الفاعلين وهي أفعال الفاعلين ولا فرق ، وما عدا هذا فإنما هو مفعول فيه كالمضروب والمقتول ، أو مفعول به كالسوط والإبرة وما أشبه ذلك ، أو مفعول له كالمطاع والمخدوم ، أو مفعول من أجله كالمكسوب والمحبوب فهذه أوجه المفعولات.
قال أبو محمد : وأما سائر أفعال الله تعالى فبخلاف ما قلنا في الخلق ، بل هي غير المفعول فيه ، أو له ، أو به ، أو من أجله ، وذلك كالإحياء فهو غير المحيا بلا شك ، وكلاهما مخلوق لله تعالى وخلقه تعالى لكل ذلك هو المخلوق نفسه كما قلنا ، وكالإماتة فهي غير الممات ولو كان غير هذا أو كان الإحياء هو المحيا ، والإماتة هي الممات ، وبيقين ندري لو أن المحيا هو الممات نفسه لوجب أن يكون الإحياء هو الإماتة ، وهذا محال. وكالإبقاء هو غير المبقى للبرهان الذي ذكرنا ، وبيقين ندري أن الشيء غير أعراضه التي هي قائمة به وقتا ، وفانية عنه تارة ، وبالله تعالى التوفيق.