لم تزل مع الله تعالى. ونعوذ بالله من مثل هذا الهوس.
قال أبو محمد : وقد ادّعوا أن المعدوم يعلم وهذا جهل منهم بحدود الكلام لا سيما ممن أقر بأن المعدوم لا شيء ، وادّعى مع ذلك أنه يعلم ، فألزمناهم على ذلك أنهم يعلمون لا شيء ، وأن الله تعالى يعلم لا شيء. فجسر بعضهم على ذلك ، فقلنا له : إن قولك علمت لا شيء ، وعلم الله تعالى لا شيء ، ملائم لقولك لم أعلم شيئا ، ولقولك لم يعلم الله تعالى شيئا ، لا فرق بين معنى القضيتين البتة بل هما واحد وإن اختلفت العبارتان ، وإذ هو كذلك فقد صح أن المعدوم لا يعلم فإن ألزمنا على هذا وسألنا هل يعلم الله تعالى الأشياء قبل كونها أم لا؟ قلنا لهم : لم يزل الله تعالى يعلم أن ما يخلقه أبدا إلى ما لا نهاية له فإنه سيخلقه ويرتبه على الصفات التي يخلقها فيه إذا خلقه ، وأنه سيكون شيئا إذا كوّنه ، ولم يزل عزوجل يعلم أن ما لم يخلق بعد فليس هو شيئا حتى يخلقه ، ولم يزل تعالى يعلم أنه لا شيء معه وأنّه سيكوّن الأشياء أشياء إذا خلقها ، لأنه تعالى إنما يعلم الأشياء على ما هي عليه لا على خلاف ما هي عليه لأن من علمها على خلاف ما هي عليه فلم يعلمها بل جهلها ، وليس هذا علما بل هو ظن كاذب وجهل. وبرهان هذا قول الله عزوجل : (وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ) [سورة الأنفال : ٢٣].
و «لو» في لغة العرب التي خاطبنا الله تعالى بها : حرف يدل على امتناع الشيء لامتناع غيره فصح أنه تعالى لم يسمعهم لأنه لم يعلم فيهم خيرا إذ لا خير فيهم ، فصح أن المعدوم لا يعلم أصلا ولو علم لكان موجودا ، وإنما يعلم الله تعالى أن لفظة المعدوم لا مسمّى لها ، ولا شيء تحتها ، ويعلم عزوجل الآن أن الساعة غير قائمة ، وهو الآن تعالى لا يعلمها قائمة ، بل يعلم أنه سيقيمها فتقوم فتكون قيامة وساعة ، ويوم جزاء ، ويوم بعث ، وشيئا عظيما ، حين يخلق كل ذلك لا قبل أن يخلقه ، فأما علمه أنه سيقيمها فتقوم فهو موجود حقّ ، فهذا معنى إطلاق العلم على ما لم يكن بعد من المعدومات كما أننا لا نعلم الشمس الآن طالعة طلوعها في غد ، بل نعلم أنها ستطلع غدا وكذلك لا نعلم موت الأحياء الآن ، بل نعلم أن الله تعالى سيخلق موتهم فيعلمه موتا لهم إذا خلقه لا قبل ذلك. وبالله تعالى التوفيق. وقال تعالى : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) [سورة آل عمران : ١٤٢].
فهذا نص جلي على أن المعدوم لا يعلم لأن الله تعالى أخبر أنه لا يدخل الجنة من لا يعلمه الله تعالى مجاهدا لا صابرا ، فصح أن من لم يجاهد ولا صبر فلم يعلمه