الأمم لا نحاشي أمة على القول إن المعدوم ليس شيئا أو لا شيء ، أو ما يعبر به في كل لغة عن شيء وعن لا شيء إلا أن المعنى واحد ، فلو كان المعدوم شيئا لكان ما اجتمعوا عليه بلا شيء وليس شيئا ولم يكن شيئا باطلا ، وهذا رد على جميع عقول أهل الأرض مذ كانوا إلى أن يفنى العالم ، فصح أن الموجود هو الشيء فإذ هو الشيء فبضرورة العقل ندري أن اللاشيء هو المعدوم. ثم نسألهم : أيقولون إن المعدوم عظيم أو صغير أو حسن أو قبيح أو طويل أو قصير أو ذو لون في حال عدمه؟ فإن أبوا من هذا تناقض قولهم وسئلوا عن الفرق بين قولهم إنه شيء وبين قولهم إنه حسن أو قبيح أو صغير أو كبير ، وكيف قالوا إنه شيء ثم قالوا إنه ليس حسنا ولا قبيحا ولا صغيرا ولا كبيرا؟ فإن قالوا : نعم أوجبوا أن المعدوم يحمل الأعراض والصفات ، وهذا تخليط ناهيك به. وسئلوا في ما ذا يحمل الصفات أفي ذاته أو في ما ذا ....؟ فإن قالوا في ذاته أوجبوا أن له ذاتا وهذه صفة الموجودة ضرورة. وإن قالوا بل يحمل الصفات في غيره كان ذلك أيضا عجبا زائدا ومحالا لا خفاء به.
قال أبو محمد : ونسألهم هل الإيمان موجود من أبي جهل أو معدوم؟ فإنّ قولهم بلا شك إنه معدوم منه ، فنسألهم عن إيمان أبي جهل المعدوم أحسن هو أم قبيح؟ فإن قالوا : لا حسن ولا قبيح قلنا لهم : أيكون يعقل إيمان ليس حسنا؟ هذا عظيم جدّا وإن قالوا بل هو حسن أوجبوا أنه حامل للحسن. وكذلك نسألهم عن الكفر المعدوم من الأنبياء عليهمالسلام أقبيح هو أم لا؟ فإن قالوا : لا ، أوجبوا كفرا ليس قبيحا ، وإن قالوا : بل هو قبيح أوجبوا أن المعدوم يحمل الصفات. ونسألهم عن ولد العقيم المعدوم منه أصغير هو أم كبير أم عاقل أم أحمق؟ فإن منعوا من وجود شيء من هذه الصفات له كان عجبا أن يكون ولد لا صغير ولا كبير ولا حي ولا ميت ، وإن وصفوه بشيء من هذه الصفات أتوا بالزيادة من المحال. ونسألهم عن الأشياء المعدومة ألها عدد أم لا عدد لها؟ فإن قالوا : لا عدد لها كانوا قد أتوا بالمحال إذ أقروا بأشياء لا عدد لها ، وإن قالوا بل لها عدد كان ذلك عجبا جدا ومحالا لا خفاء به. وسألناهم عن الأولاد المعدومين من العاقر والعقيم كم عددهم؟ ونسألهم عن الأشياء المعدومة أهي في العالم ومن العالم أم ليست في العالم ولا من العالم؟ فإن قالوا : هي في العالم ومن العالم ، سألناهم عن مكانها فإن حددوا لها مكانا وإن قالوا لا مكان لها ، قيل وكيف يكون شيء في العالم لا مكان له فيه ولا حامل.
قال أبو محمد : ويلزمهم أن المعدومات إذا كانت أشياء لا عدد لها ولا نهاية ولا مبدأ فإنها لم تزل. وهذه دهرية محققة وكفر مجرد أن تكون أشياء لا تحصى كثرة