وتمنينا للمريض الصحة إنما هو إخبار عن ذلك الاسم الموجود وأنه ليس له مسمى ولا تحته شيء وتمنّ منّا لأن يكون تحته مسمى ، فهكذا هو الأمر لا كما ظنه أهل الجهل ، فصح أن المعدوم لا يخبر عنه ولا يتمنى. ونسألهم عمن قال ليت لي ثوبا أحمر ، وغلاما أسود. أخبرونا هل الثّوب المتمنّى به عندكم أحمر أم لا؟ فإن أثبتوا معنى وهو الثوب أثبتوا عرضا محمولا فيه وهو الحمرة ، فوجب أن المعدوم يحمل الأعراض. وإن قالوا لم يتمن شيئا أصلا ، صدقوا وصح أن المعدوم لا يتمنى لأنه ليس شيئا. ولا فرق بين قول القائل تمنيت لا شيء وبين قوله لم أتمن شيئا بل هما متلائمان بمعنى واحد. وهذا أيضا يخرّج على وجه آخر ، وهو أن يتمنى شيئا موجودا في العالم كثوب موجود أو غلام موجود ، وأما من أخرج لفظة التمنّي لما ليس في العالم فلم يتمن شيئا. وأما قولهم يوصف فطريق عجب جدّا لأن معنى قول القائل يوصف إخبار بأن له صفة محمولة فيه موجودة به ، فليت شعري كيف يحمل المعدوم الصفات من الحمرة والخضرة ، والقوة والطول العرض؟ إن هذا لعجب جدا فظهر فساد ما موّهوا به والحمد لله رب العالمين.
قال أبو محمد : فإذا قد عري قولهم من الدليل فقد صح أنه دعوى كاذبة ثم نقول وبالله تعالى التوفيق : من البرهان على أن المعدوم اسم لا يقع على شيء أصلا قول الله عزوجل : (وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً) [سورة مريم : ٩] وقوله تعالى : (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً) [سورة الإنسان : ١] وقوله تعالى : (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً) [سورة الفرقان : ٢] وقال عزوجل : (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ) [سورة القمر : ٤٩].
فيلزمهم ولا بد إن كان المعدوم شيئا أن لا يكون مخلوقا بعد ، وهم لا يختلفون في أن المخلوق موجود وقد وجد وقتا من الدهر ، فالمعدوم على هذا موجود وقد كان موجودا وهذا خلاف قولهم ، وهذا غاية البيان في أن المعدوم ليس شيئا.
قال أبو محمد : ونسألهم ما معنى قولنا شيء؟ فلا يجدون بدّا من أن يقولوا : إنه الموجود وأن يقولوا : هو كل ما يخبر عنه ، فإن قالوا هو الموجود صاروا إلى الحق ، وإن قالوا هو كل ما يخبر عنه قلنا لهم : إن المشركين يخبرون عن شريك لله عزوجل قال تعالى : (أَيْنَ شُرَكائِيَ) [سورة النحل : ٢٧].
قال أبو محمد : وهذا معدوم لا مدخل له في الحقيقة ، واسم لا مسمى تحته ، فإن قالوا : إن شركاء الله تعالى أشياء كانوا قد أفحشوا ، وأيضا فإنه قد اتفقت جميع