وتكذيب للقرآن ، وخلاف للّغة بل لجميع اللغات ، ومكابرة للعقول وللحواس قال تعالى : (وَإِذا خَلا بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ) [سورة البقرة : ٧٦] وقال تعالى : (يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً) [سورة الأنعام : ١١٢] وقال تعالى : (فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ فَلَهَا النِّصْفُ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ) [سورة النساء : ١١].
فقد كذبوا القرآن نصّا. ثم هذا موجود في كلّ طبيعة ، وفي كل لغة ، ومحسوس بالحواس. ثم يقال لهم : لا فرق بينكم وبين من صحح ولم ينكر كون الشيء بعض نفسه وبعض غيره ، وجزءا لنفسه وجزءا لغيره وعشر نفسه وعشرا لغيره ، واحتج في تصحيح ذلك بالحجة التي رمتم بها إبطال ذلك ولا مزيد وكلا كما منكسع (١) في ظلمة الخطأ. ثم نقول لهم وبالله تعالى التوفيق : ليس الأمر كما ظننتم بل الأسماء موضوعة للتفاهم ولتمييز بعض المسميات من بعض ، فالعشرة اسم للعشرة أفراد مجتمعات في العدد ، وكذلك لتسعة وواحد ، ولثمانية واثنين ، ولسبعة وثلاثة ، ولستة وأربعة ، ولخمسة وخمسة ، قال تعالى : (ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ) [سورة البقرة : ١٩٦].
وهكذا جميع الأعداد لا ينكر ذلك إلا مخذول منكر للمشاهدة فبالضرورة ندري أن كل جزء من تلك الجملة فهو بعض لها ، وعشر لها ، ومسمّى منها بتسمية ما ، ولا يقال هو جزء لنفسه ولا جزء لغيره ولا أنه بعض لنفسه ، ولا أنه بعض لغيره ، ولا عشر لنفسه ولا عشر لغيره. ومثل هذا «البلق» الذي هو اسم لاجتماع السّواد والبياض معا ، فالبياض بلا شك بعض البلق ، والسواد بعض البلق ، وليس البياض جزءا لنفسه وللسواد ، ولا بعضا لنفسه وللسواد ، وكل واحد منهما جزء للبلق. وكذلك الإنسان اسم للجملة المجتمعة من أعضائه ، ولا شك في أن العين بعض الإنسان وجزء من الإنسان ، ولا يحتمل أن يقال العين بعض نفسها ، وبعض الأذن واليد ، ولا أن يقال الأذن جزء لنفسها وللعين وللأنف ، وهكذا في سائر الأعضاء ، فعلى قول هؤلاء النوكى يلزمهم ألا تكون العين بعض الإنسان ، أو أن يقولوا إن العين بعض نفسها وبعض الأذن ، ومن أبطل الأبعاض والأجزاء فقد أبطل الجمل ، لأن الجمل ليست شيئا البتة غير أبعاضها ، ومن أبطل الجمل فقد أبطل الكل والجزء وأبطل العالم بكل ما فيه ، وإذا بطل العالم بطل الدين والعقل وهذه حقيقة السفسطة ، وما نعلم في الأقوال أحمق من هذه المسألة ومن التي قبلها نعوذ بالله من الخذلان.
__________________
(١) يقال : تكسّع في ضلاله : ذهب (المعجم الوسيط : ص ٧٨٧).