احتججنا عليهم به ، فقد قطع الله تعالى أنه ليس إلا حق أو باطل ، وليس إلا علم أو جهل ، وهو عدم العلم ، وليس إلا وجود أو عدم ، وليس إلا شيء مخلوق أو الخالق أو لفظة العدم التي لا تقع على شيء ولا على مخلوق فقد أكذبهم الله عزوجل في دعواهم. ولا شك يدري ذو حس سليم أن ما لم يكن باطلا فهو حق ، وما لم يكن حقا فهو باطل ، وما لم يكن معلوما فهو مجهول ، وما لم يكن مجهولا فهو معلوم ، وما لم يكن شيئا فهو شيء ، وما لم يكن لا شيئا فهو شيء ، وما لم يكن موجودا فهو معدوم ، وما لم يكن معدوما فهو موجود ، وما لم يكن مخلوقا فهو غير مخلوق ، وما لم يكن غير مخلوق فهو مخلوق ، هذا كله معلوم ضرورة لا يعقل غيره ، فإذ هو كذلك فلا فرق بين ما قالوه في هذه القضية وبين القول اللازم لهم ضرورة وهو أن تلك الأحوال معدومة موجودة معا ، حق باطل معا ، معلومة مجهولة معا ، مخلوقة غير مخلوقة معا ، شيء لا شيء معا ، وهذا هو نفس قولهم ومقتضاه لأنهم إذا قالوا ليست حقا فقد أوجبوا أنها باطل ، وإذ قالوا ولا هي باطل فقد أوجبوا أنها حق ، وهكذا في سائر ما قالوه ، فاعجبوا لعقول رسخ هذا فيهم وسخموا (١) به ورقهم. وعجب آخر وهو قولهم إن هاهنا أحوالا ، ولفظة «هاهنا» معناه الإثبات بلا شك فهي موجودة ثابتة بلا شك.
قال أبو محمد : ولم يتخلصوا بهذا من قول معمّر في وجوب وجود أشياء لا نهاية لها ، أو أن يصيروا إلى قولنا في إبطال هذه التي يسمونها أحوالا وإعدامها جملة ، وما نعلم هوسا إلا وقد انتظمته هذه المقالة ونعوذ بالله من الخذلان.
مسألة أخرى
: قال أبو محمد : قالت الأشعرية ليس في العالم شيء له بعض أصلا ، ولا شيء له نصف ، ولا ثلث ، ولا ربع ، ولا خمس ، ولا سدس ، ولا سبع ، ولا ثمن ، ولا تسع ، ولا عشر ، ولا جزء أصلا ، واحتجوا في هذا بأن قالوا : يلزم من قال إن الواحد عشر العشرة وجزء من العشرة أن يقول ولا بد : إن الواحد عشر من نفسه ، وجزء من نفسه ، وبعض نفسه ، وهو جزء لغيره ، وبعض لغيره وعشر لغيره ، لأن العشرة تسعة وواحد ، فلو كان الواحد عشر العشرة وبعضا للعشرة وجزءا للعشرة لكان عشرا لنفسه وللتسعة التي هي غيره ولكان بعضا لنفسه وللتسعة التي هي غيره.
قال أبو محمد : وهذا خبط شديد أول ذلك أنه رد على الله تعالى مجرد ،
__________________
(١) سخّموا : سوّدوا (المعجم الوسيط : ص ٤٢٢).