ويقال لهم أيضا قبل كل شيء وبعده : فمن أين سميتم هذا الاسم يعني الأحوال؟ ومن أين قلتم لا هي معلومة ، ولا هي مجهولة ، ولا حق ، ولا باطل ، ولا مخلوقة ، ولا غير مخلوقة ، ولا معدومة ، ولا موجودة ولا هي أشياء ولا غير أشياء؟ أي دليل حدا بكم إلى هذا الحكم أقرآن أم سنة أم إجماع أم قول مقدّم ، أم لغة ، أم ضرورة عقل ، أم دليل إقناعي أم قياس؟ فهاتوه. ولا سبيل باستخفاف أهل العقول لمن قال بهذا الجنون ولا مزيد ، ونعوذ بالله من الخذلان. وما ينبغي لهم بعد هذا أن ينكروا على من أتى بما لا يعقل ككون الجسم في مكانين ، والجسمين في مكان واحد ، وكون شيء قائما قاعدا وكون أشياء غير متناهية في وقت واحد ، فإن قالوا : هذا كفر ، قيل لهم بل الكفر بما جئتم به لأنه إبطال الحقائق كلّها ، والعجب كل العجب أنهم لا يجوّزون قدرة الله تعالى على ما هو محال عندهم ، وقد أتوا في هذا الفصل بعين المحال. ونعوذ بالله من الخذلان.
قال أبو محمد : وكلامهم في هذه المسألة كلام ما سمع بأسخف منه ، ولا قول السوفسطائية ، ولا قول النصارى ، ولا قول الغالية ، على أن هذه الفرق أحمق الفرق أقوالا. أما السوفسطائية فإنهم قطعوا على أن الأشياء باطل لا حق ، أو أنها حق عند من هي عنده حق ، وباطل عند من هي عنده باطل ، وأيها لا ندري. وأما النصارى والغالية فإن كانت هاتان الفرقتان قد أتتا بالعظائم فإنهم قطعوا بأنها حق.
وأما هؤلاء المخاذيل فإنهم أتوا بقول حققوه وأبطلوه ولم يحققوه ولا أبطلوه ، فكل ذلك معا في وقت واحد من وجه واحد وهذا لا يأتي به إلا مبرسم ، أو مخبول ، أو ماجن يريد أن يضحك من معه.
قال أبو محمد : ونحن نتكلّف بيان هذا التخليط الذي أتوا به وإن كان مكتفيا بسماعه ، ولكن التزيد من إبطال الباطل ما أمكن حسن فنقول وبالله تعالى التوفيق : إن قولهم : لا هي حق ولا هي باطل ، فإنّ كل ذي حسن سليم يدري أن كل ما لا يكون حقا فهو باطل ، وما لم يكن باطلا فهو حق ، هذا لا يعقل غيره ، فكيف وقد قال الله عزوجل : (فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ) [سورة يونس : ٣٢] وقال تعالى : (لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ) [سورة الأنفال : ٨] وقال تعالى : (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) [سورة الزمر : ٩] وقال تعالى : (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ) [سورة الفرقان : ٢] وقال تعالى : (أَنْ قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا) وقال تعالى : (فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قالُوا نَعَمْ) [سورة الأعراف : ٤٤ ، ٤٥].
قال أبو محمد : وهؤلاء قوم ينتمون إلى الإسلام ويصدقون القرآن ، ولو لا ذلك ما