محسوس معلوم وأما القول بزمان الزمان فهو شيء لم يأت به نص ولا قام بصحته برهان ، وما كان هكذا فهو باطل. وأما ظهور الظاهر فهو متيقن معلوم ، والظهور صفة الظاهر وفعله ، وتقول : ظهر يظهر ظهورا ، والظهور معلوم ظاهر بنفسه ، ولا يجوز أن يقال إن للظهور ظهورا لأنه لم يأت به نص ولا قام بصحته برهان ، وما كان هكذا فهو باطل. وأما خفاء الخافي فهو عدم ظهوره ، والعدم ليس شيئا كما قدمنا. وأما القصد إلى الشيء والنية له فإنما هما فعل القاصد والناوي وإرادتهما الشيء ، والقول بهما واجب لأنهما موجودان بالضرورة يجدهما كل أحد من نفسه ويعلمهما من غيره علما ضروريا. وأما القصد إلى القصد والنية للنية فباطل لأنه لم يأت بهما نص ولا أوجبهما دليل ، وما كان هكذا فهو باطل والقول به لا يجوز. فهذا وجه البيان فيما خفي عليهم حتى أتوا فيه بهذا التخليط والحمد لله رب العالمين.
قال أبو محمد : ثم نقول لهم أخبرونا إذا قلتم هذه الأحوال أهي معان ومسميات مضبوطة محدودة متميز بعضها من بعض؟ أم ليست معاني أصلا ، ولا لها مسمّيات ، ولا هي مضبوطة ولا محدودة ، ولا متميز بعضها من بعض؟ فإن قالوا ليست معاني أصلا ، ولا لها مسميات ، ولا هي مضبوطة ولا محدودة ، ولا متميز بعضها من بعض ولا لتلك الأسماء مسميات أصلا ، قيل لهم فهذا هو معنى العدم حقا فلم قلتم إنها ليست معدومة؟ ثم لم سميتموها أحوالا وهي معدومة؟ ولا تكون التسمية إلا شرعية أو لغوية وتسميتكم هذه المعاني أحوالا ليست تسمية شرعية ولا لغوية ولا مصطلحا عليها لبيان ما يقع عليه ، فهي باطل محض بيقين. فإن قالوا هي معان مضبوطة ولها مسميات محدودة متميزة بعضها من بعض قيل لهم : هذه صفة الموجود ولا بدّ فلم قلتم إنها ليست موجودة؟ وهذا ما لا مخلص لهم منه وبالله تعالى التوفيق.
قال أبو محمد : ويقال لهم أيضا هذه الأحوال التي تقولون أمعقولة هي أم غير معقولة؟ فإن قالوا : هي معقولة كانوا قد أثبتوا لها معاني وحقائق من أجلها عقلت فهي موجودة ولا بدّ ، والعدم ليس معقولا ، لا كنه ولا معنى لهذه اللفظة أصلا وبالله تعالى التوفيق.
ويقال لهم أيضا : هل الأحوال في اللغة وفي المعقول إلا صفات لذي حال؟ وهل الحال في اللغة إلا بمعنى التحول من صفة إلى أخرى؟ يقال هذه حال فلان اليوم ، وكيف كانت حالك أمس؟ وكيف يكون الحال غدا؟ فإذ الأمر هكذا ولا بد فهذه الأحوال موجودة حقّا مخلوقة ولا بد ، فظهر فساد قولهم وأنّه من أسخف الهذيان والمحال الممتنع الذي لا يرضى به عاقل.