فهم فكيف على عالم؟ والحمد لله. ونحن نتكلم على هذا إن شاء الله عزوجل كلاما ظاهرا لائحا لا يخفى على ذي حس سليم وبالله تعالى نتأيد.
فنقول وبالله تعالى التوفيق : أما القدم فإنه من صفات الزمن ومن فيه تقول ملك أقدم من ملك ، وزمان أقدم من زمان ، وشيخ أقدم من شيخ ، أي أنه متقدم بزمانه عليه ، والزمان متقدم بذاته على الزمان ليس في العالم قديم قدم الأزمان. هذا هو حكم اللغة التي لا يوجد فيها غيره أصلا ، فالقدم هو المتقدم ، والتقدم متقدم بنفسه على غيره فقط ، لأن القدم موجود معلوم وهي صفة المتقدم فلا يجوز إنكاره وأما قدم القديم فباطل لأنه لم يأت به نص ولا قام بوجوده دليل ، وما كان هكذا فهو باطل. وأما وجود الموجود فبضرورة الحسن ندري أن الموجود حق ، وأنه يقتضي واجدا وأن الواجد يقتضي وجودا لما وجد ، هو فعل الواجد وصفته فهو حق لما ذكرنا. ووجود الواجد يوجد بذاته لا بوجود هو غيره لأن وجود الوجود لم يأت به نص ولا برهان وما كان هكذا فهو باطل.
وأما البارئ عزوجل فإنه يجد نفسه ويعلمها ويجد ما دونه ويعلمه بذاته لا بوجود هو غيره ، ولا بعلم هو غيره فقط ، وكذلك العالم منا يقتضي علما ولا بدّ هو فعل العالم وصفته المحمولة فيه عرضا بيقين ، ويزيد ويذهب ويثبت أطوارا. هذا ما لا شك فيه. والعالم منا يعلم أنه يحمل علما بعلمه ذلك لا بعلم هو غير علمه ، لأن العلم بالعلم لم يوجب وجوده نص ولا برهان وما كان هكذا فهو باطل ، وكذلك الباقي مثاله بلا شك بقاء هو اتصال وجوده مدة بعد مدة ، وهذا معنى صحيح لا يجوز أن ينكره عاقل ، فأما بقاء البقاء فلم يأت بإيجاب وجوده نص ولا قام به برهان ، وما كان هكذا فهو باطل ، ولا يجوز أن يوصف الله بالبقاء ولا بأنه باق ، كما لا يوصف بالخلد ولا بأنه خالد ، ولا بالدّوام ولا بأنه دائم ، ولا بالثّبات ولا بأنه ثابت ، ولا بطول العمر ، ولا بطول المدة ، لأنّ الله عزوجل لم يسمّ نفسه بشيء من ذلك ، لا في القرآن ولا على لسان نبيه صلىاللهعليهوسلم ، ولا قاله قط أحد من الصحابة رضي الله عنهم ، ولا قام به برهان بل البرهان قام ببطلان ذلك لأن كل ما ذكرنا من صفات المخلوقين ، ولا يجوز أن يوصف الله تعالى بشيء من صفات المخلوقين إلا أن يأتي نص بأن يسمى باسم ما فيوقف عنده.
ولأن كل ما ذكرناه أعراض فيما هي فيه ، والله تعالى لا يحمل الأعراض ، وأيضا فإنه عزوجل لا في زمان ، ولا يمر عليه زمان ، ولا هو متحرك ولا ساكن ، لكن يقال لم يزل الله تعالى ولا يزال ، وأما الفناء فإنه مدة للعدم بعدّها أجزاء الحركات والسكون ولا يجوز أن يكون للمدة مدة لكنها مدة في نفسها ولنفسها فالقول بالزمان حق لأنه