باطل. ولا شك في أن الله تعالى إذا خلق الجسم فإنما يخلقه في زمان ومكان وإذ لا شك في ذلك فالجسم في أول حدثه ساكن في المكان الذي خلقه الله تعالى فيه ولو طرفة عين ، ثم إما يتصل سكونه فيه فتطول إقامته فيه ، وإما أن ينتقل عنه فيكون متحركا عنه. فإن قال قائل بل هو متحرك لأنه خارج عن العدم إلى الوجود. قيل له : هذا منك تسمية فاسدة لأن الحركة في اللغة وهي التي يتكلم عليها إنما هي نقلة من مكان إلى مكان ، والعدم ليس مكانا ، ولم يكن المخلوق شيئا قبل أن يخلقه الله تعالى. فحال خلقه هي أول أحواله التي لم يكن هو قبلها فكيف أن يكون له حال قبلها فلم ينتقل أصلا بل ابتدأه الله تعالى الآن.
وأما الجسم الكلي الذي هو جرم العالم جملة وهو الفلك الكلي فكل جزء منه مقدر مفروض فإن أجزاءه المحيطة به من أربع جهات ، والجزء الذي يليه في جهة عمق الفلك هو مكانه ، ولا مكان له من الصفحة التي لا تلي الأجزاء التي ذكرنا والله تعالى يمسكه بقوته كما شاء ولا يلاقيه من صفحته العليا شيء أصلا ، ولا هنالك مكان ولا زمان ولا خلاء ولا ملاء.
قال أبو محمد : ورأيت لبعض النوكى ممن ينتمي إلى الكلام قولا طريفا وهو أنه قال : إن الله تعالى إذ خلق الأرض خلق جرما عظيما يمسكها لئلا تنحدر سفلا ، فحين خلق ذلك الجرم أعدمه وخلق آخر وهكذا أبدا بلا نهاية ، لأنه زعم لو أبقاه وقتين لاحتاج إلى ممسك وهكذا أبدا إلى ما لا نهاية له ، كأن هذا الأنوك لم يسمع قول الله تعالى : (إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ) [سورة فاطر : ٤١].
فصح أن الله تعالى يمسك الكل كما هو دون عمد ولا زيادة ولا جرم آخر ولو أن هؤلاء المخاذيل إذ عدموا العلم تمسكوا باتّباع القرآن والسكوت عن الزيادة والخبر عن الله تعالى بما لا علم لهم به لكان أسلم لهم في الدين والدنيا ، ولكن من يضلل الله فلا هادي له ونعوذ بالله من الضلال.
وأما من قال : إن الحركات أجسام فخطأ لأن الجسم في اللغة اسم موضوع للطويل العريض العميق ذي المساحة وليست الحركة كذلك فليست جسما ، ولا يجوز أن يوقع عليها اسم جسم إذ لم يأت ذلك في اللغة ولا في الشريعة ولا أوجبه دليل ، وإذ صح أنها ليست جسما فهي بلا شك عرض.
وأما من قال إن الحركة ترى فقول فاسد لأنه قد صح أن البصر لا يقع في هذا