العالم إلّا على لون في ملون فقط ، وبيقين ندري أن الحركة لا لون لها فإذ لا لون لها فلا سبيل إلى أن ترى وإنما علمنا كون الحركة لأننا رأينا لون المتحرك في مكان ما ثم رأيناه في مكان آخر علمنا أن ذلك الملون قد انتقل عن مكان إلى مكان بلا شك ، وهذا المعنى هو الحركة أو بأن يحس الجسم منتقلا من مكان إلى مكان فيدري حينئذ من لامسه وإن كان أعمى أو مطبق العينين أنه تحرك ، وبرهان ما قلناه أن الهواء لمّا لم يكن له لون لم يره أحد ، وإنما يعلم من تموجه وتحرّكه وملاقاته بأنه متنقل وهو هبوب الرياح. وكذلك أيضا علمنا حركة الصوت بإحساسنا الصوت يأتي من مكان ما إلى مكان ما ، وكذلك القول في حركة المشموم من الطيب والنتن ، وحركة المذوق فبطل قول من قال إن الحركات ترى وصح أن الحركة ليست لونا ولا لها لون ، ولو كان هذا لأمكن لآخر أن يدّعي أنه يسمع الحركة وهذا خطأ لأنه لا يسمع إلا الصوت ، ولأمكن لآخر أن يدّعي أن الحركة تلمس وهذا خطأ وإنما نلمس المحسة من الخشونة والإملاس أو غير ذلك من المحسات ، والحق من هذا إنما هو أن الحركة تعرف وتوجد بتوسط كل ما ذكرنا وبالله تعالى التوفيق.
قال أبو محمد : والحركات النقلية المكانية تنقسم قسمين لا ثالث لهما ، إما حركة ضرورية وإما اختيارية.
فالاختيارية هي فعل النفوس الحية من الملائكة والإنس والجن وسائر الحيوان كله ، وهي التي تكون إلى جهات شتّى على غير رتبة معلومة الأوقات وكذلك السكون الاختياري.
والحركة الضرورية تنقسم قسمين لا ثالث لهما إما طبيعية وإما قسرية. والاضطرارية : هي الحركة الكائنة ممن ظهرت منه عن غير قصد منه إلينا.
وأمّا الطبيعية فهي حركة كل شيء غير حيّ بما بناه الله عليه كحركة الماء إلى وسط المركز ، وكحركة الأرض كذلك وكحركة الهواء والنار إلى مواضعهما ، وكحركة الأفلاك والكواكب دورا ، وكحركة عروق الجسد النوابض ، والسكون الطبيعي هو سكون كل ما ذكرنا في عنصره.
وأما القسرية فهي حركة كل شيء دخل عليه ما يحيل حركته عن طبيعته أو عن اختياره إلى غيرها ، كتحريك المرء قهرا ، وتحريكك الماء علوّا ، والحجر كذلك وكتحريك النّار سفلا ، والهواء كذلك وكتصعيد الهواء الماء ، وكعكس الشمس الشمس بحر النار ، والسكون القسريّ هو توقيف الشيء في غير عنصره أو توقيف المختار كرها وبالله تعالى التوفيق.