ذلك على النواة والبذر ، فيحيل كل ذلك إلى ما في طبعها إحالته إليه فيصير عودا ولحاء وورقا وزهرا وثمرا وخصوصا وكرما ، ومثل الدم الوارد على النطفة فتحيله طبيعته التي خلقها الله فيه لحما ، ودما وعظما ، وعصبا وعروقا وشرايين وعضلا وغضاريف وجلدا وظفرا وشعرا وكل ذلك خلق الله تعالى ، فتبارك الله أحسن الخالقين ، والحمد لله رب العالمين.
قال أبو محمد : وذهب الباقلاني وسائر الأشعرية إلى أنه ليس في النار حر ، ولا في الثلج برد ، ولا في الزيتون زيت ، ولا في العنب عصير ، ولا في الإنسان دم ، هذا أمر ناظرنا عليه من لقيناه منهم.
والعجب كل العجب قولهم هذا التخليط وإنكارهم ما يعرف بالحواس وضرورة العقل ، ثم هم يقولون مع هذا إن للزجاج والحصى طعما ورائحة وإن لقشور العنب رائد وإن للفلك طعما ورائحة ، وهذه إحدى عجائب الدنيا.
قال أبو محمد : وما وجدنا لهم في ذلك من حجة غير دعواهم أن الله تعالى خلق كل حر نجده في النار عند مسنا إياها ، وكذلك خلق البرد في الثلج عند مسنا إياه ، وكذلك خلق الزيت عند عصر الزيتون والعصير عند عصر العنب ، والدم عند القطع والشرط.
قال أبو محمد : فإذا تعلقوا من هذا بحواسهم فمن أين قالوا إن للزجاج طعما ورائحة ، وللفلك طعما ورائحة ...؟ وهذا موضع تشهد الحواس بتكذيبهم في أحدهما ولا تدرك الحواس الآخر. ويقال لهم : لعل الناس ليس في الأرض منهم أحد ، وإنما خلقهم الله عند رؤيتكم لهم ، ولعل بطونكم لا مصارين فيها ، ورءوسكم لا أدمغة فيها ، لكن الله خلق كل ذلك عند الشدخ والشق.
قال أبو محمد : وقول الله تعالى يكذبهم إذ قال تعالى : (يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ) [سورة الأنبياء : ٦٩].
فلو لا أن النار تحرق بحرها ما كان يقول الله تعالى هذا.
وإذ يقول عزوجل : (قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ) [سورة التوبة : ٨١] فصح أن النار موجودة.
وكذلك أخبر رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن نار جهنم أشدّ حرّا من نارنا هذه تسعين درجة. وقال تعالى : (وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ) [سورة المؤمنين : ٢٠].