ويذهبها عنه ويلبسه كيفيات نفسه الذاتية والغيرية. والثاني : أن يخلع كل واحد منهما كيفياته الذاتية والغيرية ويلبسا معا كيفيات أخر كماء الزاج إذا جاور الماء العفص ، وكجسم الجير إذا جاور جسم الزرنيخ وكسائر المعاجن كلها والدقيق والماء وغير ذلك.
والثالث : أن لا يخلع واحد منهما عن نفسه كيفية من كيفياته لا الذاتية ولا الغيرية بل يبقى كل واحد منهما كما كان كزيت أضيف إلى ماء ، وكحجر إلى آخر ، وثوب إلى ثوب. فهذا حقيقة الكلام في المداخلة والمجاورة.
وأما الكمون : فإن طائفة ذهبت إلى أن النار كامنة في الحجر ، وذهبت طائفة إلى إبطال هذا ، وقالت إنه لا نار في الحجر أصلا ، وهو قول ضرار بن عمرو.
قال أبو محمد : وكل طائفة منهما فإنها تفرط على الأخرى فيما تدّعي عليها ، فضرار ينسب إلى مخالفيه أنهم يقولون إن النخلة بطولها وعرضها وعظمها كامنة في النواة ، وأن الإنسان بطوله وعرضه وعمقه وعظمه كامن في المنيّ. وخصومه ينسبون إليه أنه يقول : إنه ليس في النار حر ، ولا في العنب عصير ، ولا في الزيتون زيت ، ولا في الإنسان دم.
قال أبو محمد : وكلا القولين جنون محض ومكابرة للحواس والعقول ، والحق من ذلك أن في الأشياء ما هو كامن كالدم في الإنسان ، والعصير في العنب ، والزيت في الزيتون ، والماء في كل ما يعتصر منه ، وبرهان ذلك أن كل ما ذكرنا إذا خرج ما كان كامنا فيه ضمر الباقي لخروج ما خرج منه وخف وزنه لذلك عما كان عليه قبل خروج الذي خرج منه.
ومن الأشياء ما ليس كامنا كالنار في الحجر والحديد ، لكن في الحجر الزناد والحديد الذكر قوة إذا تضاغطا احتدم ما بينهما من الهواء فاستحال نارا وهكذا يعرض لكل شيء متحرق فإن رطوباته تستحيل نارا ثم دخانا ثم هواء ، إذ في طبع النار استخراج ناريات الأجسام وتصعيد رطوباتها حتى يفنى كل ما في الجسم من الناريات والمائيات عنه بالخروج ، ثم لو نفخت دهرك على ما بقي من الأرضية المحضة وهو الرماد لم يحترق ولا اشتعل إذ ليس فيه نار فتخرج ، ولا ماء فيصعد.
وكذلك دهن السراج فإنه كثير الناريات بطبعه فيستحيل بما فيه من المائية اليسيرة دخانا هوائيا ، وتخرج ناريته حتى يذهب كلّه. وأما القول في النوى والبذور والنطف ، فإن في النواة وفي البذر وفي النطفة طبيعة خلقها في كل ذلك الله تعالى ، وهي قوة تجتذب الرطوبات الواردة عليها من الماء والزبل ولطيف التراب الوارد كل