لعدم بعدمه ، فدل بقاؤه بعده على أنه غيره ولا بدّ ، إذ من المحال الممتنع أن يكون الشيء معدوما موجودا في حالة واحدة ، في مكان واحد ، في زمان واحد.
وأيضا فإن الأعراض هي الأفعال من الأكل والشرب ، والنوم ، والجماع ، والمشي ، والضرب ، وغير ذلك ، فمن أنكر الأعراض فقد أثبت الفاعلين وأبطل الأفعال ، وهذا محال لا خفاء به ، ولا فرق بين من أثبت الفاعلين ونفى الأفعال ، وبين من أثبت الأفعال ونفى الفاعلين. وكلا الطائفتين مبطلة لما يشاهد بالحواس ، ويدرك بالعقل ، سوفسطائيون حقّا ، لأن من الأعراض ما يدرك بالبصر وهو اللون إذ ما لا لون له لا يدرك بالبصر ، وقد يدرك بالشمّ كالنتن والطيب. ومنها : ما يدرك بالذّوق كالحلاوة والمرارة ، والحموضة والملوحة ، ومنها ما يدرك بالحس كالحر والبرد ، ومنها ما يدرك بالسمع كحسن الصوت وقبحه ، وجهارته وجفوته ، ومنها ما يدرك بالعقل كالحركة ، والحمق والعقل ، والعدل والجور ، والعلم والجهل ، فظهر فساد قول مبطلي الأعراض يقينا والحمد لله رب العالمين. فإذ قد صح كل ما ذكرنا فإنما الأسماء عبارات وتمييز للمسميات ليتوصل بها المخاطبون إلى تفاهم مراداتهم من الوقوف على المعاني ، وفصل بعضها من بعض ، ليس للأسماء فائدة غير هذه ، فوجب ضرورة أن يوقع على القائم بنفس الشاغل لمكانه ، الحامل لغيره أسماء تكون عبارة عنه ، وأن يوقع أيضا على القائم بغيره لا بنفسه المحمول الذي لا يشغل مكانا اسما آخر يكون عبارة عنه لينفصل بهذين الاسمين كل واحد من ذينك المسمّيين عن الآخر ، وإن لم يكن هذا وقع التخليط وعدم البيان. واصطلحنا على أن سمينا القائم بنفسه الشاغل للمكان جسما. واتفقنا على أن سمينا القائم بغيره لا بنفسه عرضا ، لأنه عرض في الجسم ، وحدث فيه. هذا هو الحق المشاهد بالحسّ ، المعروف بالعقل ، وما عدا هذا فهذيان وتخليط ، لا يعقله قائله ، فكيف غيره؟ فصحّ بهذا كله وجود الأعراض وبطلان قول من أنكرها ، وصحّ أيضا بما ذكرنا أنّ حدّ اللون والحركة وكلّ ما لا يقوم بنفسه هو غير حدّ القائم بنفسه ، فإذ ذلك كذلك فلا جسم إلّا القائم بنفسه وكل ما عداه فعرض ، فلاح بهذا صحة قول من قال بذلك ، وبطل قول هشام والنظام. وبالله تعالى التوفيق.
وأما احتجاج هشام بوجود الطول والعرض والعمق التي توهّمها في اللون ، فإنما هو طول الجسم الملون وعرضه وعمقه فقط ، وليس للّون طول ولا عرض ولا عمق ، وكذلك الطعم والمجسّة ، والرائحة ، وبرهان ذلك أنه : لو كان للجسم طول وعرض وعمق ، وكان للون طول غير طول الحامل له ، وعرض آخر غير عرض الحامل له ، وعمق آخر غير عمق الملوّن الحامل له ، لاحتاج كل واحد منهما إلى مكان آخر غير مكان