استضافت إليه ، ومعنى القول بأن هذا الجسم غير ذي نفس إنما هو أنه لم تستضعف إليه نفس فالنفس هي الحية المحركة المدبرة ، وهي غير محتاجة إلى جسم مدبّر لها ولا محرّك لها ، فلم يجب أن يحتاج إلى نفس ولا أن تكون ليست نفسا ، ولا فرق بينهم في قولهم هذا وبين من قال إن الجسم يحتاج إلى جسم ، كما قالوا إنه يجب أن تحتاج النفس إلى نفس أو قال يجب أن يكون الجسم لا جسما كما قالوا يجب أن تكون النفس لا نفسا ، وهذا كله هوس وجهل والحمد لله رب العالمين.
وقالوا : لو كانت النفس جسما لكان الجسم نفسا.
قال أبو محمد : وهذا من الجهل المفرط المظلم ، ولو كان لقائل هذا الجنون أقل علم بحدود الكلام لم يأت بهذه الغثاثة ، لأن الموجبة الكلية لا تنعكس البتة انعكاسا مطردا إلا موجبة جزئية لا كلية ، وكلامهم هذا بمنزلة من قال لما كان الإنسان جسما وجب أن يكون الجسم إنسانا ، ولما كان الكلب جسما وجب أن يكون الجسم كلبا ، وهذا غاية الحمق والقحة ، لكن صواب القول في هذا أن نقول : لما كانت النفس جسما كان بعض الأجسام نفسا ، ولما كان الكلب جسما وجب أن يكون بعض الأجسام كلبا ، وهذا هو العكس الصحيح المطرد اطرادا صحيحا أبدا ، وبالله تعالى التوفيق.
وقالوا أيضا : إن كانت النفس جسما فهي بعض الأجسام ، وإذا كانت كذلك فكلية الأجسام أعظم مساحة منها ، فيجب أن تكون أشرف منها.
قال أبو محمد : من عدم الحياء والعقل لم يبال بما نطق لسانه ، وهذه قضية في غاية الحمق لأنها توجب أن الشرف إنما هو بعظم الأجسام وكثرة المساحة ، ولو كان ذلك لكانت الهضبة والباسة والحمار والبغل وكدش العذرة أشرف من الإنسان المنبأ والفيلسوف لأن كل ذلك أعظم مساحة منه ولكانت العزلة أشرف من ناظر العين والألية أشرف من القلب والكبد والدماغ ، والصخرة أشرف من اللؤلؤة ، وأفّ لكل علم أدّى إلى مثل هذا.
ونعم فإن كثيرا من الأجسام أعظم مساحة من النفس ، وليس ذلك موجبا أنها أشرف منها مع أن النفس الرذلة المضربة عما أوجبه التمييز عن طاعة ربها إلى الكفر به فكل شيء في العالم أشرف منها ونعوذ بالله من الخذلان.
وقالوا : إن كانت النفس جسما آخر مع الجسم فالجسم نفس وشيء آخر ، وإذا كان ذلك فالجسم أتم وإذا كان أتم فهو أشرف.
قال أبو محمد : وهذا جنون مردد لأنه ليس بكثرة العدد يجب الفضل والشرف ،