الأنواع الواقعة معه تحت جنس واحد ، فإنه موضوع وهو جنسه القابل لصورته وصورة غيره وله محمول وهو صورته التي خصته دون غيره فهو ذو موضوع ومحمول فهو مركب ، والنفس نوع للجوهر فهي مركبة من موضوع ومحمول وهي قائمة بنفسها فهي جسم ولا بد.
قال أبو محمد : وهذه براهين ضرورية حسية عقلية لا محية عنها ، وبالله تعالى التوفيق.
وهذا قول جماعة من الأوائل ، ولم يقل أرسطاطاليس إن النفس ليست جسما على ما ظنه أهل الجهل ، وإنما نفى أن تكون جسما كدرا وهو الذي لا يليق بكل ذي علم سواه. ثم لو صح أنه قالها لكانت وهلة ودعوى بلا برهان عليها ، وخطأ لا يجب اتباعه عليه ، وهو يقول في مواضع من كتبه : اختلف أفلاطون والحق وكلاهما إلينا حبيب غير أن الحق أحب إلينا ، وإذا جاز أن يختلف أفلاطون والحق فغير نكير ولا بدّ أن يختلف أرسطاطاليس والحق ، وما عصم إنسان من الخطأ فكيف وما صح قط أنه قاله ...؟
قال أبو محمد : وإنما قال إن النفس جوهر لا جسم من ذهب ، إلا أنها هي الخالقة لما دون الله تعالى على ما ذهب إليه بعض الصابئين ومن كنى بها عن الله تعالى.
قال أبو محمد : وكلا القولين سخيف وباطل ، لأن النفس والعقل لفظتان من لغة العرب موضوعتان فيها لمعنيين مختلفين ، فإحالتهما عن موضوعهما في اللغة سفسطة وجهل وقلة حياء وتلبيس وتدليس.
قال أبو محمد : وأما من ذهب إلى أن النفس ليست جسما ممن ينتمي إلى الإسلام بزعمه فقوله يبطل بالقرآن والسنة وإجماع الأمة ، فأما القرآن فإن الله عزوجل قال : (هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ) [سورة يونس : ٣٠] وقال تعالى : (الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ) [سورة غافر : ١٧] وقال تعالى : (كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ) [سورة الطور : ٢١].
فصح أن النفس الفعّالة الكاسبة المجزيّة المخاطبة.
وقال تعالى : (إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ) [سورة يوسف : ٥٣]. وقال تعالى : (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ) [سورة غافر : ٤٦] وقال تعالى : (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ) [سورة البقرة : ١٥٤] وقال تعالى : (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) [سورة آل عمران : ١٦٩].