فصح أن النفس منها ما يعرض على النار قبل يوم القيامة فتعذب ، ومنها ما يرزق وينعم فرحا ويكون مسرورا قبل يوم القيامة ، ولا شك أن أجساد آل فرعون وأجساد المقتولين في سبيل الله قد تقطعت أوصالها ، وأكلتها السباع والطير وحيوان الماء.
فصح أن الأنفس منقولة من مكان إلى مكان ، ولا شك في أن العرض لا يلقى العذاب ولا يحس فليست عرضا ، وصح أنها تشغل الأماكن قائمة بنفسها وهذه صفة الجسم لا صفة الجوهر عند القائلين به. فصح ضرورة أنها جسم.
وأما من السنن فقول رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إن أرواح الشهداء في حواصل طير خضر في الجنة» (١) وقوله صلىاللهعليهوسلم : «إنه رأى نسم بني آدم عند سماء الدّنيا عن يمين آدم ويساره» (٢). فصح أن الأنفس مرئية في أماكنها. وقوله عليهالسلام إن نفس المؤمن إذا قبضت عرج بها إلى سماء الدنيا ، وفعل بها كذا ، ونفس الكافر إذا قبضت فعل بها؟؟؟؟. فصح أنها معذبة ومنعمة ومنقولة في الأماكن ، وهذه صفة الأجسام ضرورة.
وأما من الإجماع فلا خلاف بين أحد من أهل الإسلام في أن أنفس العباد منقولة بعد خروجها عن الأجساد إلى نعيم أو إلى ضيق وتعذيب ، وهذه صفة الأجسام ، ومن خالف هذا فزعم أن الأنفس تعدم أو أنها تنتقل إلى أجسام أخرى فهو كافر مشرك حلال الدّم والمال ، لخرقه الإجماع ومخالفته القرآن والسنن ونعوذ بالله من الخذلان.
قال أبو محمد : وقد ذكرنا في باب عذاب القبر أن الروح والنفس شيء واحد ، ومعنى قوله تعالى : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) [سورة الإسراء : ٨٥] إنما هو لأن الجسد مخلوق من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة ثم عظما ثم لحما ثم أمشاجا ، وليس الروح كذلك ، وإنما قال تعالى آمرا له بالكون «كن» فكان فصح أن النفس والروح والنسمة أسماء مترادفة لمعنى واحد. وقد تقع الروح أيضا على غير هذا ، فجبريل عليهالسلام الرّوح الأمين ، والقرآن روح من عند الله تعالى ، وبالله تعالى التوفيق.
فقد بدل قولهم في النفس وصح أنها جسم ، ولم يبقى إلا الكلام في الجزء الذي ادّعوا أنّه لا يتجزأ.
__________________
(١) تقدم تخريجه ص ٢٥٧ ، حاشية (٣).
(٢) تقدم تخريجه ص ٢٥٧ ، حاشية (٢).