ثم نعطف هذا السؤال نفسه عليهم فنقول لهم : هل يقدر الله عزوجل على أن يقسم كل جزء ويقسم كل قسم من أقسام الجسم أبدا بلا نهاية أم لا؟ فإن قالوا : لا يقدر على ذلك عجّزوا ربهم حقا وكفروا ، وهو قولهم دون تأويل ولا إلزام ، ولكنهم يخافون من أهل الإسلام فيملحون ضلالتهم بإثبات الجزء الذي لا يتجزأ جملة. وإن قالوا إنه تعالى قادر على ذلك صدقوا ورجعوا إلى الحق الذي هو نفس قولنا وخلاف قولهم جملة.
ونحن لم نخالفهم قط في أن أجزاء طحين الدقيق لا يقدر مخلوق في العالم على تجزئة تلك الأجزاء ، وإنما خالفناهم في أن قلنا نحن : إن الله تعالى قادر على ما لا نقدر نحن عليه من ذلك ، وقالوا هم بل غير قادر على ذلك ، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا.
وقولهم في تناهي القدرة على قسمة الله تعالى الأجزاء هو القول بأن الله تعالى يبلغ من الخلق إلى مقدار ما ثم لا يقدر على الزيادة عليه ويبقى حينئذ عاجزا ، تعالى الله عن هذا الكفر ، ولعمري إن أبا الهذيل شيخ المثبتين للجزء الذي لا يتجزأ ليحن إلى هذا المذهب حنينا شديدا وقد صرّح بأن لما يقدر الله عليه كلّا وآخرا لو خرج إلى الفعل لم يكن الله تعالى قادرا بعد على تحريك ساكن ، ولا تسكين متحرك ، ولا على فعل شيء أصلا ، ثم تدارك كفره فقال : ولا يخرج ذلك الآخر أبدا إلى حد الفعل.
قال أبو محمد : فيقال له ما المانع من خروجه والنهاية حاصرة له والفعل قائم؟ فلا بد من طول الزمن من البلوغ إلى ذلك الآخر.
قال أبو محمد : نعوذ بالله من الضلال.
والاعتراض الرابع : هو أن قالوا أيما أكبر أجزاء الجبل أو أجزاء الخردلة أو أجزاء الخردلتين؟ قالوا : فإن قلتم بل أجزاء الخردلتين وأجزاء الجبل صدقتم وأقررتم بتناهي التجزؤ ، وهو القول بالجزء الذي لا يتجزأ ، وإن قلتم ليس أجزاء الجبل أكبر من أجزاء الخردلة ولا أجزاء الخردلتين أكبر من أجزاء الخردلة كابرتم العيان ، لأنه لا يحدث في الخردلة جزء إلا ويحدث في الخردلتين جزءان ، وفي الجبل أجزاء. وادّعوا علينا أننا نقول إن في كل جسم أجزاء لا نهاية لعددها ولا آخر لها ، وأن من قطع بالمشي مكانا ما أو قطع بالجملتين شيئا فإنما قطع ما لا نهاية لعدده ، وقالوا إن عمدة حجتكم على الدهرية هو هذا المعنى نفسه في إلزامكم إياهم وجوب القلة والكثرة في أعداد الأشخاص وأوقات الزمان ، وإيجابكم أن كل ما حصره العدد فذو نهاية ، وإنكاركم على الدّهرية وجود أشخاص وأزمان لا نهاية لعددها ، قالوا : ثم نقضتم كل ذلك في هذا المكان.