الملاصق له حينئذ بسطحه ، لا الذي ميز عن ملاصقته. وهكذا أبدا والكلام في هذا كالكلام في الذي قبله ولا فرق.
والاعتراض الثالث أن قالوا : هل ألّف أجزاء الجسم إلا الله؟ فلا بد من نعم. قالوا : فهل يقدر الله تعالى على تفريق أجزائه حتى لا يكون فيها شيء من التأليف ولا تحتمل تلك الأجزاء التجزؤ أم لا يقدر على ذلك؟ قالوا : فإن قلتم لا يقدر عجّزتم ربكم ، وإن قلتم يقدر فهذا إقرار منكم بالجزء الذي لا يتجزأ.
قال أبو محمد : هذا من أقوى شبههم التي شغبوا بها وهو حجة لنا عليهم ، والجواب أننا نقول لهم وبالله تعالى التوفيق : إن سؤالكم سؤال فاسد وكلام فاسد ولم تكن قط أجزاء العالم متفرقة ثم جمعها الله عزوجل ، ولا كان له أجزاء مجتمعة ثم فرقها الله عزوجل ، لكن الله تعالى خلق العالم بكل ما فيه بأن قال له «كن» فكان أو بأن قال لكل جرم منه إذا أراد خلقه «كن» فكان ذلك الجرم ، ثم إن الله تعالى خلق جميع ما أراد جمعه من الأجرام التي خلقها مفرقة ثم جمعها ، وخلق تفريق كلّ جرم من الأجرام التي خلقها مجتمعا ثم فرّقها ، فهذا هو الحق لا ذلك السؤال الفاسد الذي أجملتموه وأوهمتم به أهل الغفلة أن الله تعالى ألف العالم من أجزاء خلقها متفرقة ، وهذا باطل لأنه دعوى لا برهان عليها. ولا فرق بين من قال إن الله تعالى ألف أجزاء العالم وكانت متفرقة وبين من قال بل الله تعالى فرق العالم أجزاء وإنما كان جزءا واحدا وكلاهما دعوى ساقطة لا برهان عليها لا من نص ولا من عقل ، بل القرآن جاء بما قلناه نصا قال تعالى : (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [سورة النحل : ٤٠].
ولفظة شيء تقع على الجسم وعلى العرض ، فصح أن كل جسم صغر أو كبر وكل عرض في جرم فإن الله تعالى إذا أراد خلقه قال له «كن» فكان ، ولم يقل عزوجل قط ألف كل جرم من أجزاء متفرقة فهذا هو الكذب على الله عزوجل حقّا ، فبطل ما ظنوا أنهم يلزموننا به. ثم نقول لهم : إن الله تعالى قادر على أن يخلق جسما لا ينقسم ، ولكنه لم يخلقه في بنية هذا العالم ولا يخلقه ، كما أنه تعالى قادر على أن يخلق عرضا قائما بنفسه ولكنه تعالى لم يخلقه في بنية العالم ولا يخلقه ، لأنهما مما رتبة الله عزوجل محالا في العقول ، والله تعالى قادر على كل ما يسأل عنه لا نحاشي شيئا منها إلا أنه تعالى لا يفعل كلّ ما يقدر عليه وإنما يفعل ما يشاء وما سبق في علمه أنه يفعله فقط وبالله تعالى التوفيق.