نحكم في الدّين لشيئين بتحريم أو إيجاب أو تحليل من أجل أنهما اشتبها في صفة من صفاتهما ، فهذا هو الباطل البحت والحمد لله رب العالمين على عظيم نعمه.
ونقول على هذا السؤال الذي سألونا عنه : إننا لم ندفع النهاية عن الأجسام كلها من طريق المساحة بل نثبتها ونعرفها ، ونقطع على أن كل جسم فله مساحة أبدا محدودة ولله الحمد. وإنما نفينا النهاية عن قدرة الله تعالى على قسمة كل جزء وإن دقّ ، وأثبتنا قدرة الله تعالى على ذلك وهذا هو شيء غير المساحة.
ولم يتكلف القاطع بالمشي أو بالذرع أو بالعمل قسمة ما قطع ولا تجزئته ، وإنما تكلف عملا أو مشيا في مساحة معدودة بالميل أو بالذراع أو بالشبر أو الإصبع أو ما أشبه ذلك ، وكل هذه له نهاية ظاهرة ، وهذا غير الذي نفينا وجود النهاية فيه فبطل إلزامهم والحمد لله كثيرا.
ثم نعكس هذا الاعتراض عليهم فنقول لهم وبالله تعالى التوفيق : نحن القائلون بأن كل جسم فله طول وعرض وعمق وهو محتمل للانقسام والتجزؤ ، وهذا هو إثبات النهاية لكل جسم انقسم الجسم إليه من طريق المساحة ضرورة ، وأنتم تقولون إن الجسم ينقسم إلى أجزاء ليس لشيء منها عرض ولا طول ولا عمق ولا مساحة ولا يتجزأ ، وليست أجساما ، وأن الجسم هو تلك الأجزاء نفسها ليس هو شيئا غيرها أصلا ، وأن تلك الأجزاء ليست لشيء منها مساحة فلزمكم ضرورة أن الجسم هو تلك الأجزاء نفسها ليس هو غيرها ، وكل جزء من تلك الأجزاء لا مساحة له فالجسم لا مساحة له وهذا أمر يبطله العيان ، وإذا لم تكن له مساحة والمساحة هي النهاية في ذرع الأجسام فلا نهاية لما قطعه القاطع من الجسم على قولهم وهذا باطل.
والاعتراض الثاني : أن قالوا : لا بدّ أن يلي الجرم من الجرم الذي يليه جزء يتقطع ذلك الجرم فيه. قالوا : وهذا إقرار بجزء لا يتجزأ.
قال أبو محمد : وهذا تمويه فاسد لأننا لم ندفع النهاية من طريق المساحة ، بل نقول إن لكل جرم نهاية وسطحا ينقطع تماديه عنده ، وأن الذي ينقطع به الجرم إذا جزئ فهو تناه محدود ، ولكنه محتمل للتجزؤ أيضا ، وكل ما جزئ فذلك الجزء هو الذي يلي الجرم الملاصق له بنهايته من جهته التي لاقاه منها ، لا ما ظنّوا من أن حدّ الجرم جزء منه هو ، وحدّه الملاصق للجرم الذي يلاصقه بل هو باطل بما ذكرنا ، لكن الجزء هو الملاصق للجرم بسطحه ، فإذا تجزأ كان الجزء الملاصق للجرم بسطحه هو