أبو بكر فإن أكابر الصحابة رضي الله عنهم أسلموا على يديه ، فهذا أفضل عمل وليس لعلي من هذا كبير حظ ، وأما عمر فإنه من يوم أسلم عز الإسلام وعبد الله تعالى بمكة جهرا وجاهد المشركين بمكة بيديه ، فضرب وضرب حتى ملوه فتركوه فعبد الله تعالى علانية ، وهذا أعظم الجهاد ، فقد انفرد هذان الرجلان بهذين الجهادين الذين لا نظير لهما ولا حظ لعلي في هذا أصلا ، وبقي القسم الثاني : وهو الرأي والمشورة فوجدناه خالصا لأبي بكر ثم لعمر ، وبقي القسم الثالث : وهو الطعن والضرب والمبارزة فوجدناه أقل مراتب الجهاد ببرهان ضروري وهو أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم لا شك عند كل مسلم أنه المخصوص بكل فضيلة فوجدنا جهاده عليهالسلام إنما كان في أكثر أعماله وأحواله القسمين الأولين من الدعاء إلى الله عزوجل والتدبير والإدارة ، وكان أقل عمله صلىاللهعليهوسلم الطعن والضرب والمبارزة لا عن جبن بل كان عليهالسلام أشجع أهل الأرض قاطبة نفسا ويدا وأتمهم نجدة ، ولكنه كان يؤثر الأفضل فالأفضل من الأفعال ، فيقدمه عليهالسلام ويشتغل به ووجدناه عليهالسلام يوم بدر وغيره كان أبو بكر رضي الله عنه معه لا يفارقه إيثارا من رسول الله صلىاللهعليهوسلم له بذلك واستظهارا برأيه في الحرب ، وأنسا بمكانه ، ثم كان عمر ربما شورك في ذلك أيضا ، وقد انفرد بهذا المحل دون علي ودون سائر الصحابة إلا في الندرة ، ثم نظرنا مع ذلك في هذا القسم من الجهاد الذي هو الطعن ، والضرب ، والمبارزة فوجدنا عليا رضي الله عنه لم ينفرد بالبسوق فيه بل قد شاركه في ذلك غيره شركة العنان ، كطلحة ، والزبير ، وسعد ، وممن قتل في صدر الإسلام كحمزة ، وعبيدة بن الحارث بن المطلب ، ومصعب بن عمير ، ومن الأنصار سعد بن معاذ ، وسماك بن خرشة وغيرهما ووجدنا أبا بكر وعمر قد شاركاه في ذلك بحظ حسن وإن لم يلحقا بحظوظ هؤلاء ، وإنما ذلك لشغلهما بالأفضل من ملازمة رسول الله صلىاللهعليهوسلم وموازرته في حين الحرب وقد بعثهما رسول الله صلىاللهعليهوسلم على البعوث أكثر مما بعث عليا وقد بعث أبا بكر إلى بني فزارة وغيرهم ، وبعث عمر إلى بني فلان ، وما نعلم لعلي بعثا إلا إلى بعض حصون خيبر ففتحه ، وقد بعث إليه قبله أبا بكر وعمر فلم يفتحاه ، فحصل أرفع أنواع الجهاد خالصا لأبي بكر ، وعمر ، وقد شاركا عليا في أقل أنواع الجهاد مع جماعة غيرهم.
قال أبو محمد : واحتج أيضا بأن قال : إن عليا كان أكثرهم علما.
قال أبو محمد : كذب هذا القائل ، وإنما يعرف علم الصحابي لأحد وجهين لا ثالث لهما ، أحدهما كثرة روايته وفتاويه ، والثاني : كثرة استعمال النبي صلىاللهعليهوسلم له ، فمن المحال الباطل أن يستعمل النبي صلىاللهعليهوسلم من لا علم له ، وهذه أكبر الشهادات على العلم