عاش بعد رسول الله صلىاللهعليهوسلم أزيد من ثلاثين سنة ، فكثر لقاء الناس إياه ، وحاجتهم إلى ما عنده ، لذهاب جمهور الصحابة رضي الله عنهم ، وكثر سماع أهل الآفاق منه مرة بصفين وأعواما بالكوفة ومرة بالبصرة والمدينة ، فإذا نسبنا مدة أبي بكر من حياته وأضفنا تقري عليّ البلاد بلدا بلدا وكثرة سماع الناس منه إلى لزوم أبي بكر موطنه وأنه لم تكثر حاجة من حواليه إلى الرواية عنه ثم نسبنا عدد حديث من عدد حديث ، وفتاوى من فتاوى ، علم كل ذي حظ من العلم أن الذي كان عند أبي بكر من العلم أضعاف ما كان عند علي منه ، وبرهان ذلك أن من عمّر من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم عمرا قليلا قل النقل عنهم ، ومن طال عمره منهم كثر النقل عنهم ، إلا اليسير ممن اكتفى بنيابة غيره عنه في تعليم الناس ، وقد عاش علي بعد عمر بن الخطاب سبعة عشر عاما غير شهر ، ومسند عمر خمسمائة حديث وسبعة وثلاثون حديثا ، يصح منها نحو خمسين كالذي عن علي سواء بسواء ، فكل ما زاد حديث علي على حديث عمر تسعة وأربعين حديثا في هذه المدة الطويلة ، ولم يزد عليه في الصحيح إلا حديثا أو حديثين.
وفتاوى عمر موازنة لفتاوى علي في أبواب الفقه. فإذا نسبنا مدة من مدة وضربنا في البلاد من ضرب فيها وأضفنا حديثا إلى حديث ، وفتاوى إلى فتاوى ، علم كل ذي حسن علما ضروريا أن الذي كان عند عمر من العلم أضعاف ما كان عند علي من العلم ، ثم وجدنا الأمر كل ما طال كثرت الحاجة إلى الصحابة فيما عندهم من العلم فوجدنا حديث عائشة رضي الله عنها ألفي مسند ومائتي مسند وعشرة مسانيد وحديث أبي هريرة خمسة آلاف مسند وثلاثمائة مسند وأربع وسبعين مسندا ووجدنا مسند ابن عمر وأنس قريبا من مسند عائشة لكل واحد منهما ، ووجدنا مسند جابر بن عبد الله ، وعبد الله بن عباس ، لكل واحد منهما أزيد من ألف وخمسمائة ، ووجدنا لابن مسعود ثمان مائة مسند ونيف ، ولكل من ذكرنا حاشا أبا هريرة وأنس بن مالك من الفتاوى أكثر من فتاوى علي أو نحوها ، فبطل هذه الوقاح الجهال. فإن عاندنا معاند في هذا الباب جاهل أو قليل الحياء لاح كذبه وجهله ، فإنا غير متهمين على حط أحد من الصحابة رضي الله عنهم عن مرتبته ولا على رفعه فوق مرتبته ، لأننا لو انحرفنا عن علي رضي الله عنه ونعوذ بالله من ذلك لذهبنا فيه مذهب الخوارج ، وقد نزهنا الله عزوجل عن هذا الضلال في التعصب ، ولو غلونا فيه لذهبنا فيه مذهب الشيعة ، وقد أعاذنا الله تعالى من هذا الإفك في التعصب ، فصار غيرنا من المنحرفين عنه أو الغالين فيه هم المتهمون فيه إما له وإما عليه ، وبعد هذا كله فليس يقدر من ينتمي إلى الإسلام أن يعاند في الاستدلال على كثرة العلم باستعمال النبي صلىاللهعليهوسلم بمن استعمله منهم على ما استعمله وعليه من أمور الدين.