فإن قالوا : إن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قد استعمل عليا على الأخماس وعلى القضاء باليمن؟ قلنا لهم : نعم ولكن مشاهدة أبي بكر لأقضية رسول الله صلىاللهعليهوسلم أقوى في العلم وأثبت مما عند علي وهو باليمن ، وقد استعمل رسول الله صلىاللهعليهوسلم أبا بكر على بعوث فيها الأخماس ، فقد ساوى علمه علم علي في حكمها بلا شك ، إذ لا يستعمل عليهالسلام إلا عالما بما يستعمله عليه ، وقد صح أن أبا بكر وعمر كان يفتيان على عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهو عليهالسلام يعلم ذلك ، ومحال أن يبيح لهما ذلك إلا وهما أعلم ممن دونهما. وقد استعمل عليهالسلام أيضا على القضاء باليمن مع علي معاذ بن جبل وأبا موسى الأشعري فلعلي في هذا شركاء كثير ، منهم أبو بكر ، وعمر ، ثم قد انفرد أبو بكر بالجمهور الأغلب من العلم على ما ذكرنا.
وقال هذا القائل : إن عليا كان أقرأ الصحابة.
قال أبو محمد : وهذه القحة المجردة والبهتان لوجوه أولها : أنه رد على رسول الله صلىاللهعليهوسلم لأنه عليهالسلام قال : «يؤم القوم أقرؤهم ، فإن استووا فأفقههم ، فإن استووا فأقدمهم هجرة» ثم وجدناه عليهالسلام قد قدم أبا بكر على الصلاة مدة الأيام التي مرض فيها وعلي بالحضرة يراه النبي صلىاللهعليهوسلم غدوة وعشية فما رأى لها عليهالسلام أحدا أحق من أبي بكر بها ، فصح أنه كان أقرؤهم وأفقههم وأقدمهم هجرة ، وقد يكون من لم يجمع حفظ القرآن كله على ظهر قلب أقرأ ممن جمعه كله عن ظهر قلب فيكون ألفظ به وأحسنهم ترتيلا.
هذا على أن أبا بكر وعمر وعلي لم يستكمل أحد منهم حفظ سواد القرآن كلّه ظاهرا إلا أنه قد وجب يقينا بتقديم النبي صلىاللهعليهوسلم لأبي بكر على الصلاة وعليّ حاضر أن أبا بكر أقرأ من علي ، وما كان النبي صلىاللهعليهوسلم ليقدم إلى الإمامة الأقل علما بالقراءة على الأقرإ أو الأقل فقها على الأفقه فبطل أيضا شغبهم في هذا الباب ـ والحمد لله رب العالمين.
وقال هذا الجاهل : كان عليّ أتقاهم لله.
قال أبو محمد : كذب هذا الأفاك ، ولقد كان علي رضي الله عنه تقيا إلا أن الفضائل يتفاضل فيها أهلها وما كان أتقاهم لله إلا أبا بكر. والبرهان على ذلك أنه لم يسؤ قط أبو بكر رسول الله صلىاللهعليهوسلم في كلمة ولا خالف إرادته عليهالسلام في شيء قط ، ولا تأخر عن تصديقه ولا تردد عن الائتمار له يوم الحديبية إذ تردد من تردد وقد تكلم رسول الله صلىاللهعليهوسلم على المنبر إذ أراد علي نكاح ابنة أبي جهل بما قد عرف وما وجدنا قط لأبي بكر توقفا عن شيء أمره به رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلا مرة واحدة عذره فيها رسول