الله صلىاللهعليهوسلم وأجاز له فعله ، وهي إذ أتى رسول الله صلىاللهعليهوسلم من قباء فوجده يصلي بالناس فلما رآه أبو بكر تأخر فأشار إليه النبي صلىاللهعليهوسلم أن أقم مكانك فحمد الله تعالى أبو بكر على ذلك ثم تأخر فصار في الصف ، وتقدم رسول الله صلىاللهعليهوسلم فصلى بالناس ، فلما سلم قال له رسول الله صلىاللهعليهوسلم «ما منعك أن تثبت حين أمرتك؟» فقال أبو بكر : ما كان لابن أبي قحافة أن يتقدم بين يدي رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
قال أبو محمد : فهذا غاية التعظيم والطاعة والخضوع لرسول الله صلىاللهعليهوسلم وما أنكر عليهالسلام ذلك عليه. وإذ قد صح بالبرهان الضروري الذي ذكرنا أن أبا بكر أعلم أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقد وجب أنه أخشاهم لله عزوجل ، قال الله عزوجل : (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) [سورة فاطر : ٢٨] والتقى هو الخشية لله عزوجل.
وقال قائلون : علي كان أزهدهم.
قال أبو محمد : كذب هذا الجاهل ، وبرهان ذلك أن الزهد إنما هو غروب النفس عن حب الصوت ، وعن المال ، وعن اللذات ، وعن الميل إلى الولد والحاشية ليس الزهد معنى يقع عليه اسم الزهد إلا هذا المعنى ، فأما غروب النفس عن المال فقد علم كل من له أدنى بصر بشيء من الأخبار الخالية أن أبا بكر أسلم وله مال عظيم قيل أربعين ألف درهم ، فأنفقها كلها في ذات الله تعالى ، وعتق المستضعفين من العبيد المؤمنين المعذبين في ذات الله عزوجل ، ولم يعتق عبيدا جلدا يمنعونه لكن كل معذب ومعذبة في الله عزوجل ، حتى هاجر مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم ولم يبق لأبي بكر من جميع ماله إلا ستة آلاف درهم حملها كلها مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم ولم يبق لبنيه منها درهما ، ثم أنفقها كلها في سبيل الله عزوجل حتى لم يبق له شيء إلا عباءة له قد خللها بعود إذا نزل افترشها وإذا ركب لبسها إذ تمول غيره من الصحابة رضي الله عن جميعهم واقتنوا الرباع الواسعة والضياع العظيمة من حلها وحقها ، إلا أن من آثر بذلك سبيل الله عزوجل أزهد ممن أنفق وأمسك ، ثم ولي الخلافة فما اتخذ جارية ولا توسع في مال ، وعد عند موته ما أنفق على نفسه وولده من مال الله عزوجل الذي لم يستوف منه إلا بعض حقه وأمر بصرفه إلى بيت المال من صلب ماله الذي حصل له من سهامه في المغازي والمقاسم مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم فهذا هو الزهد في اللذات والمال الذي لا يدانيه فيه أحد من الصحابة لا علي ولا غيره ، إلا أن يكون أبا ذر وأبا عبيدة من المهاجرين الأولين فإنهما جريا على هذه الطريقة التي فارقا عليها رسول الله صلىاللهعليهوسلم وتوسع من سواهم من الصحابة رضي الله عنهم في المباح الذي أحله الله عزوجل لهم ، إلا أنّ من أثر على نفسه أفضل ، ولو لا أن أبا ذر لم يكن له سابقة غيره لما تقدمه