وفيهم من لا يراه ، وفيهم من يرى قتل المؤمن بالكافر ، وفيهم من لا يراه.
فأي فرق بين هذه الاجتهادات واجتهاد معاوية وعمرو وغيرهما ، لو لا الجهل والعمى والتخليط بغير علم؟
وقد علمنا أن من لزمه حق واجب وامتنع من أدائه وقاتل دونه فإنه يجب على الإمام أن يقاتله وإن كان متأولا وليس ذلك بمؤثر في عدالته وفضله ، ولا بموجب له فسقا بل هو مأجور لاجتهاده ونيته في طلب الخير ، فبهذا قطعنا على صواب علي رضي الله عنه وصحة إمامته ، وأنه صاحب الحق وأن له أجرين أجر الاجتهاد وأجر الإصابة ، وقطعنا أن معاوية رضي الله عنه ومن معه مخطئون مأجورون أجرا واحدا. وأيضا فالحديث الشريف الصحيح عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه أخبر عن مارقة تمرق بين طائفتين من أمته يقتلها أولى الطائفتين بالحق ، (١) فمرقت تلك المارقة وهم الخوارج بين أصحاب علي وأصحاب معاوية فقتلهم علي وأصحابه فصح أنهم أولى الطائفتين بالحق ، وأيضا الخبر الصحيح عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «تقتل عمارا الفئة الباغية» (٢).
قال أبو محمد : المجتهد المخطئ إذا قاتل على ما يرى أنه الحق قاصدا إلى الله تعالى بنيته غير عالم بأنه مخطئ فهو فئة باغية ، وإن كان مأجورا ولا حد عليه إذا ترك القتال ولا قود ، وأما إذا قاتل وهو يدري أنه مخطئ فهذا محارب تلزمه حدود المحاربة والقود ، وهذا يفسق ويخرج لا المجتهد المخطئ ، وبيان ذلك قول الله تعالى : (وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ) إلى قوله : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) [سورة الحجرات : ١٠].
فهذا نص قولنا دون تكلف تأويل ولا زوال عن موجب ظاهر الآية ، وقد سماهم الله عزوجل مؤمنين باغين بعضهم إخوة بعض في حين تقاتلهم ، وأهل العدل المبغي عليهم والمأمورين بالإصلاح بينهم ، وبينهم ، ولم يصفهم الله عزوجل بفسق من أجل ذلك التقاتل ولا بنقص إيمان ، وإنما هم مخطئون فقط باغون ولا يريد واحد منهم قتل الآخر ،
__________________
(١) رواه مسلم في الزكاة حديث ١٥١ و ١٥٢ ، وأبو داود في السنّة باب ١٢.
(٢) لفظ الحديث : «ويح عمّار تقتله الفئة الباغية» رواه من طرق متعددة : البخاري في الصلاة باب ٦٣. ومسلم في الفتن حديث ٧٠ و ٧٢ و ٧٣. والترمذي في المناقب باب ٣٤. وأحمد في المسند (٢ / ١٦١ ، ١٦٤ ، ٢٠٦ ، ٣ / ٥ ، ٢٢ ، ٢٨ ، ٩١ ، ٤ / ١٩٧ ، ١٩٩ ، ٥ / ٢١٥ ، ٣٠٦ ، ٣٠٧ ، ٦ / ٢٨٩ ، ٣٠٠ ، ٣١١ ، ٣١٥).