وعمار رضي الله عنه قتله أبو الغادية يسار بن سبيع السلمي ، شهد بيعة الرضوان ، فهو من شهداء الله له بأنه علم ما في قلبه ، وأنزل السكينة عليه ورضي عنه ، فأبو الغادية رضي الله عنه متأول مجتهد مخطئ فيه باغ عليه مأجور أجرا واحدا ، وليس هذا كقتلة عثمان رضي الله عنه لأنهم لا مجال للاجتهاد في قتله لأنه لم يقتل أحدا ولا حارب ولا قاتل ولا دافع ولا زنا بعد إحصان ولا ارتد فيسوغ لمحاربه تأويل ، بل هم فساق محاربون سافكون دما حراما عمدا بلا تأويل على سبيل الظلم والعدوان فهم فساق ملعونون.
قال أبو محمد : فإذ قد بطل هذا الأمر وصح أن عليا هو صاحب الحق ، فالأحاديث التي فيها التزام البيوت وترك القتال إنما هي بلا شك فيمن لم يلح له يقين الحق أين هو ، وهكذا نقول فإذا تبين الحق فقتال الفئة الباغية فرض بنص القرآن ، وكذلك إن كانتا معا باغيتين فقتالهما واجب لأن كلام الله عزوجل لا يعارض كلام نبيه صلىاللهعليهوسلم لأنه كله من عند الله عزوجل ، قال الله عزوجل : (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى) [سورة النجم : ٣ ، ٤].
وقال عزوجل : (وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) [سورة النساء : ٨٢] فصح يقينا أن كل ما قاله رسول الله صلىاللهعليهوسلم فهو وحي من عند الله عزوجل ، وإذ هو كذلك فليس شيء مما عند الله تعالى مختلفا والحمد لله رب العالمين.
قال أبو محمد : فلم يبق إلا الكلام على الوجوه التي اعترض بها من رأى قتال علي رضي الله عنه.
قال أبو محمد : فنقول وبالله تعالى التوفيق :
أما قولهم إن أخذ القود واجب من قتلة عثمان رضي الله عنه والمحاربين لله تعالى ولرسوله صلىاللهعليهوسلم الساعين في الأرض بالفساد ، والهاتكين حرمة الإسلام والحرم والإمامة والهجرة والخلافة والصحبة والسابقة فنعم.
وما خالفهم قط علي في ذلك ولا في البراءة منهم ، ولكنهم كانوا عددا ضخما جما لا طاقة له عليهم ، فقد سقط عن علي رضي الله عنه ما لا يستطيع عليه ، كما سقط عنه وعن كل مسلم ما عجز عنه من قيام بالصلاة والصوم والحج ولا فرق ، قال الله تعالى : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) [سورة البقرة : ٢٨٦] وقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم» (١). ولو أن معاوية بايع عليا لقوي به على أخذ الحق
__________________
(١) رواه مسلم في الحج حديث ٤١٢. والنسائي في المناسك باب ١. وابن ماجة في المقدمة باب ١. وأحمد في المسند (٢ / ١٩٦ ، ٢٤٧ ، ٢٥٨ ، ٣١٣ ، ٣٥٥ ، ٤٢٨ ، ٤٤٨ ، ٤٥٧ ،