من قتلة عثمان ، فصح أن الاختلاف هو الذي أضعف يد علي عن إنفاذ الحق عليهم ، ولو لا ذلك لأنفذ الحق عليهم كما أنفذوه على قتلة عبد الله بن خباب إذ قدر على مطالبة قتلته.
وأما تأسي معاوية في امتناعه من بيعة علي بتأخر علي عن بيعة أبي بكر فليس في الخطأ أسوة ، وعلي قد استقال ورجع وبايع بعد يسير فلو فعل معاوية مثل ذلك لأصاب ولبايع حينئذ بلا شك كل من امتنع من الصحابة من البيعة من أجل الفرقة ، وأما تقارب ما بين علي وطلحة والزبير وسعد فنعم ، ولكن من سبقت بيعته وهو من أهل الاستحقاق للخلافة فهو الإمام الواجبة طاعته فيما أمر به من طاعة الله عزوجل ، سواء كان هنالك من هو مثله أو أفضل منه أو لم يكن كما سبقت بيعة عثمان قبله فوجبت طاعته وإمامته على علي وغيره.
ولو بويع هنالك حينئذ وقت الشورى علي أو طلحة أو الزبير ، أو عبد الرحمن أو سعد لكان الإمام ، وللزمت عثمان طاعته ، وكذلك إذ قتل عثمان رضي الله عنه ، فلو بدر طلحة أو الزبير أو سعد أو ابن عمر فبويع لكان هو الإمام ولوجبت طاعته على علي ، فصح أن عليا هو صاحب الحق والإمام المفترضة طاعته وغيره ، كما إذ بدر علي وجبت طاعته ولا فرق ومعاوية مخطئ مأجور مجتهد ، وقد يخفى الصواب على الصاحب العالم فيما هو أبين وأوضح من هذا الأمر من أحكام الدين فربما رجع إذا استبان له ، وربما لم يستبن له حتى يموت عليه ، وما توفيقنا إلا بالله عزوجل وهو المسئول العصمة والهداية لا إله إلا هو.
قال أبو محمد : فطلب علي حقه فقاتل عليه وقد كان له تركه ليجمع كلمة المسلمين كما فعل الحسن ابنه رضي الله عنهما فكان له بذلك فضل عظيم قد تقدم به إنذار رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذ قال : «ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين طائفتين عظيمتين من أمتي» (١) فغبطه رسول الله صلىاللهعليهوسلم بذلك.
ومن ترك حقه رغبة في حقن دماء المسلمين فقد أتى من الفضل بما لا وراء بعده ومن قاتل عليه ولو أنه فلس فحقه طلب ، ولا لوم عليه ، بل هو مصيب في ذلك ، وبالله تعالى التوفيق.
__________________
٤٨٢ ، ٤٩٥ ، ٥٠٨).
(١) رواه البخاري في الصلح باب ٩ ، وفضائل أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم ، باب ٢٠ ، والفتن باب ٢٢ ، والمناقب باب ٢٥. وأبو داود في السنّة باب ١٢ ، والمهدي باب ٨. والترمذي في المناقب باب ٣٠. والنسائي في الجمعة باب ٢٧.