للإمامة فبايعه واحد فأكثر ، ثم قام آخر ينازعه ولو بطرفة عين بعده ، فالحق حق الأول وسواء كان الثاني أفضل منه أو مثله أو دونه ، لقول رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «فوا ببيعة الأول فالأول فمن جاء ينازعه فاضربوا عنقه كائنا من كان» (١).
فلو قام اثنان فصاعدا معا في وقت واحد أو يئس من معرفة أيهما سبقت بيعته نظر أفضلهما وأسوسهما فالحق له ، ووجب نزع الآخر لقول الله تعالى : (وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ) [سورة المائدة : ٢].
ومن البر تقليد الأسوس ، وليس هذا بيعة متقدمة يجب الوفاء بها ومحاربة من نازع صاحبها ، فإن استويا في الفضل قدّم الأسوس ، نعم وإن كان أقل فضلا إذا كان مؤديا للفرائض والسنن مجتنبا للكبائر مستترا بالصغائر ، لأن الغرض من الإمامة حسن السياسة ، والقوة على القيام بالأمور ، فإن استويا في الفضل والسياسة أقرع بينهما ، أو نظر في غيرهما ، والله عزوجل لا يضيّق على عباده هذا الضيق ، ولا يوقفهم على هذا الحرج لقوله تعالى : (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) [سورة الحج : ٧٨].
وهذا أعظم الحرج وبالله تعالى التوفيق.
__________________
(١) رواه من حديث أبي هريرة البخاري في أحاديث الأنبياء باب ٥٠ ، ومسلم في الإمارة حديث ٤٤ ، وابن ماجة في الجهاد باب ٤٢ ، وأحمد في المسند (٢ / ٢٩٧).