قال أبو محمد : إنما أنكر من أنكر من الصحابة رضي الله عنهم ومن التابعين بيعة يزيد بن معاوية والوليد وسليمان لأنهم كانوا غير مرضيين ، لا لأن الإمام عهد إليهم في حياته.
والوجه الثاني : إن مات الإمام ولم يعهد إلى أحد أن يبادر رجل مستحق للإمامة فيدعو إلى نفسه ولا منازع له ففرض على أتباعه الانقياد لبيعته ، والتزام إمامته وطاعته كما فعل عليّ إذ قتل عثمان رضي الله عنهما ، وكما فعل ابن الزبير رضي الله عنهما ، وقد فعل ذلك خالد بن الوليد إذ قتل الأمراء زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رواحة ، فأخذ خالد الراية عن غير أمره ، وصوّب ذلك رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذ بلغه فعله ، وساعد خالدا في ذلك جميع المسلمين رضي الله عنهم. أو أن يقوم كذلك عند ظهور منكر يراه فتلزم معاونته على البر والتقوى ، ولا يجوز التأخر عنه ، لأن ذلك معاونة على الإثم والعدوان ، وقد قال عزوجل : (وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى ، وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ) [سورة المائدة : ٢] كما فعل يزيد بن الوليد ، ومحمد بن هارون المهدي رحمهماالله.
والوجه الثالث : أن يصيّر الإمام عند وفاته اختيار خليفة للمسلمين إلى رجل ثقة أو إلى أكثر من واحد كما فعل عمر رضي الله عنه عند موته ، وليس عندنا في هذا الوجه إلّا التسليم لما أجمع عليه المسلمون حينئذ ، ولا يجوز التردّد في الاختيار أكثر من ثلاث ليال للثابت عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم من قوله : «من بات ليلة ليس في عنقه بيعة» (١).
ولأن المسلمين لم يجمعوا على ذلك أكثر من ثلاث والزيادة على ذلك باطل لا يحل. على أن المسلمين يومئذ من حين موت عمر رضي الله عنه قد اعتقدوا بيعة لازمة في أعناقهم لأحد أولئك الستة بلا شك ، فهم وإن لم يعرفوه بعينه فهو بلا شك واحد من أولئك الستة ، فبأحد هذه الوجوه تصح الإمامة ، ولا تصح بغير هذه الوجوه البتة.
قال أبو محمد : فإن مات الإمام ولم يعهد إلى إنسان بعينه فوثب رجل يصلح
__________________
(١) لم أجده بهذا اللفظ. وفي صحيح مسلم (كتاب الإمارة ، باب ١٣ ، حديث رقم ٥٨) عن نافع قال : جاء عبد الله بن عمر إلى عبد الله بن مطيع حين كان من أمر الحرّة ما كان زمن يزيد بن معاوية ، فقال : اطرحوا لأبي عبد الرحمن وسادة. فقال : إني لم آتك لأجلس ، أتيتك لأحدّثك حديثا سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقوله : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «من خلع يدا من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له ، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية».