وبعضها بالشر ، فكان السانح منها وكان البارح ، والسانح ما أتى عن يمينك من ظبي أو طائر ، وهو أمارة يمن وخير ؛ والبارح ما أتاك من ذلك عن يسارك ، وهو أمارة شؤم وشر.
٢٨ ـ وقال تعالى : (فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلى أَجَلٍ هُمْ بالِغُوهُ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ) (١٣٥).
«إذا هم ينكثون» جواب «لمّا» ، يعني فلما كشفناه عنهم فأجاءوا (١) النكث ، وبادروا لم يؤخّروه ، ولكن لمّا كشف عنهم نكثوا.
أقول : جاءت الجملة الاسمية من المبتدأ والخبر بعد «إذا» الفجائية ، وعلى هذا جرى أسلوب لغة التنزيل. ثم جدّ في العربية منذ أزمان قولهم : خرجت فإذا به ماش في الطريق ، والجديد المولّد هو خفض الضمير بالباء ؛ وهذا هو الأسلوب المتّبع في العربية المعاصرة.
ومثل هذه الآية ، قوله تعالى :
(إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ) (٢٠١).
٢٩ ـ وقال تعالى : (إِنَّ هؤُلاءِ مُتَبَّرٌ ما هُمْ فِيهِ وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (١٣٩).
«إنّ هؤلاء» ، أي : عبدة الأصنام الذين مرّ بهم بنو إسرائيل ، ورأوهم يعكفون على أصنام لهم ؛ فسألوا موسى (ع) أن يجعل لهم إلها كما لهؤلاء آلهة ، فقال كما ورد في التنزيل : (إِنَّ هؤُلاءِ مُتَبَّرٌ ما هُمْ فِيهِ) ، أي : مدمّر مكسّر ما هم فيه ، من قولهم : إناء متبرّ إذا كان فضاضا ، أي : فتاتا ، أو يقال لكسار الذهب : تبر. والمعنى : يتبّر الله ويهدم دينهم الذي هم عليه.
وفي حديث علي (ع) عجز حاضر ورأي متبرّ ، أي : مهلك ، والتّبار الهلاك.
وقال ـ عزوجل ـ (وَكُلًّا تَبَّرْنا تَتْبِيراً) (٣٩) [الفرقان].
٣٠ ـ وقال تعالى : (قالَ يا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَبِكَلامِي) [الآية ١٤٤].
والمعنى اخترتك على أهل زمانك وآثرتك عليهم برسالاتي وبكلامي. والاصطفاء : الاختيار ، واصطفاه اختاره ، وهو افتعال من الصّفوة ، ومنه النبيّ المصطفى ـ صلوات الله عليه ـ أي : اصطفاه ربّه ، أي : اختاره.
__________________
(١). أجاءوا : جاءوا به.