وفي الحديث عن أنس بن مالك : من أحبّ أن يبسط له في رزقه ، وينسأ في أجله ، فليصل رحمه.
والنّسء : التأخير يكون في العمر والدّين.
ومن هذه الدلالة اللغوية ، أي : التأخير ، أخذ العرب الجاهليون مادة «النسيء» ، فصارت من رسومهم ومصطلحهم ، وإليها أشارت الآية الكريمة.
٨ ـ وقال تعالى : (لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قاصِداً لَاتَّبَعُوكَ وَلكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ) [الآية ٤٢].
العرض : ما عرض لك من منافع الدنيا. يقال : الدنيا عرض حاضر ، يأكل منه البرّ والفاجر ، أي : لو كان ما دعوا إليه غنما قريبا سهل المنال ، و «سفرا قاصدا» أي : وسطا مقاربا.
أقول في قوله تعالى : (وَسَفَراً قاصِداً) لا أرى أن المراد به «الوسط المقارب» ، إذ لا يمكن أن يأتلف مع «العرض القريب» ، الذي يسبقه في الآية ، ولكني أرى أن يكون «السفر القاصد» هو ما يعبّر عنه في اللغة المعاصرة ب «السفر المباشر» ، وسنأتي إلى المباشر بعد هذا.
ألا ترى أنه قال : إنهم سيتبعونك لو دعوتهم الى مغنم قريب من عرض الدنيا ، وسفر مباشر (يريد أقرب منه) ، ولهرعوا إليك؟
أقول : لو أن المعاصرين أطالوا النظر في كلمات الله ، لرأوا فيها ما يسدّ حاجاتهم اللغوية ، وما يضطربون فيه من مصطلح حديث.
إنهم قالوا : سفر مباشر ، وبداية مباشرة ، وطريقة مباشرة ، كما قالوا سفر غير مباشر ، وبداية غير مباشرة ، وطريقة غير مباشرة ، ويريدون بالنمط الأول ما يشرع فيه على الفور أو في الحال ، وبالنمط الثاني ما لا يشرع فيه في الحال ، بل يتمهّل فيه ويتريّث.
ولا أدري كيف فهموا «المباشرة» على هذا النحو ، ذلك بأن فصيح «المباشرة» أن تلي الأمر بنفسك.
وعلى كل حال لا نستطيع أن نحمل وصف الشيء ب «المباشر» في عربيتنا المعاصرة على الخطأ ، ولكننا ، نقول : إنها لغة جديدة مولّدة ، أدّى إليها التطور في الدلالة ، وهذا شيء يعرض لجميع اللغات ، فقد تتغيّر المعاني ، فيظهر جديد ، ويختفي قديم.