الآية بمعنى «ربّما» ، الذي يجيء لزيادة الفعل وكثرته ، كقول زهير :
أخو ثقة لا تهلك الخمر ماله ولكنّه قد يهلك المال نائله وقد علق الشيخ أحمد بن المنير الإسكندري في حاشيته «الارتشاف» فقال : ومثلها ، (أي : مسألة «قد») في قوله تعالى : (وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ) [الصّفّ : ٥] فإنّه يكثر علمهم برسالته ، ويؤكّده بظهور آياته ، حتّى يقيم عليهم الحجّة في جمعهم بين متناقضين : أذيّته ، ورسوخ علمهم برسالته.
ومنه أيضا قول الشاعر :
قد أترك القرن مصفرّا أنامله
أقول : هذه الفائدة من خصائص العربية في اللغة القديمة ، أي : أن «قد» تدخل على الفعل المضارع ، وتفيد التكثير ، بعكس الشائع الكثير وهو التقليل.
أقول : قد يكون بقي شيء من إفادة التقليل ل «قد» مع المضارع في اللغة العربية المعاصرة ، إلّا أن إفادة التكثير لا نجد له مكانا وذلك لأن المعربين من الأدباء وغيرهم قد أضاعوا الكثير من خصائص هذه وجهلوا مكانها.
ومن المفيد أن نقف عند قول الزمخشري : أن «قد» في «قد نعلم» بمعنى «ربّما».
أود أن أقول : إن «ربّما» تفيد التقليل ، وهي كذلك في العربية القديمة ولكنها تفيد التكثير أيضا. فما ذا بقي منها في العربية المعاصرة؟ لم يبق من ذلك إلا إفادة التقليل وقد يضاف إلى التقليل ، الشك والاحتمال الضعيف (١).
وفي هذه الآية جاء : (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ).
وهمزة «إن» مكسورة وقد جرينا في العربية على فتح الهمزة ، إذا صحّ أن تؤوّل هي ومعمولاها بمصدر في موضع المفعول به للفعل «نعلم».
غير أن القراءة جرت بالكسر : وهذه سنة متبعة وعلينا قبولها ، ولا يصح سبكها بالمصدر ثم الفعل «يحزن» مثل «ينصر» ، وقرئ أيضا بضم الياء.
والقراءة بالفتح هي المثبتة ، وهي الشهيرة ، على أن الفعل ثلاثي «حزن يحزن» والفعل متعدّ.
__________________
(١). انظر : مسألة «رب» ، ومسائل أخرى لابن السيد البطليوسي (نشر مجمع اللغة العربية في دمشق ١٩٦٠).