وباله ، وبها أضر ، وإياها ضر ، فسمى العلم والتبيين ابصارا ، والجهل عمى مجازا وتوسعا. وفي هذا دلالة على ان المكلفين مخيرون في أفعالهم غير مجبرين ، ثم أمر سبحانه نبيه بأن يقول لهم : (وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ) أي لست أنا الرقيب على أعمالكم (وَكَذلِكَ) أي وكما صرفنا الآيات قبل (نُصَرِّفُ) هذه (الْآياتِ) قال علي بن عيسى : والتصريف اجراء المعنى الدائر في المعاني المتعاقبة لتجتمع فيه وجوه الفائدة (وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ) ذلك يا محمد ، أي تعلمته (وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) معناه : لنبين هذه الآيات للعلماء الذين يعقلون ما نورده عليهم ، وإنما خصهم بذلك لأنهم انتفعوا به دون غيرهم.
١٠٦ ـ ١٠٧ ـ ثم أمر سبحانه نبيه (ص) باتباع الوحي فقال : (اتَّبِعْ) أيها الرسول (ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) إنما أعاد سبحانه هذا القول لأن المراد ادعهم إلى أنه لا إله إلّا هو (وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) معناه : اهجرهم ولا تخالطهم ولا تلاطفهم (وَلَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكُوا) أي لو شاء الله ان يتركوا الشرك قهرا واجبارا لاضطرهم إلى ذلك الا انه لم يضطرهم اليه بما ينافي أمر التكليف ، وأمرهم بتركه اختيارا ليستحقوا الثواب والمدح عليه (وَما جَعَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً) مراقبا لأعمالهم (وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ) أي ولست بموكل عليهم بذلك ، وإنما أنت رسول عليك البلاغ وعلينا الحساب.
١٠٨ ـ ثم نهى الله المؤمنين أن يسبّوا الأصنام لما في ذلك من المفسدة فقال : (وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) أي لا تخرجوا من دعوة الكفار ومحاجتهم إلى ان تسبّوا ما يعبدونه من دون الله ، فإن ذلك ليس من الحجاج في شيء (فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً) أي ظلما (بِغَيْرِ عِلْمٍ) وأنتم اليوم غير قادرين على معاقبتهم بما يستحقّون لأن الدار دارهم ، ولم يؤذن لكم في القتال (كَذلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ) معناه : زينا عملهم بذكر ثوابه ، فهو كقوله : (وَلكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ) (ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ) أي مصيرهم (فَيُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) أي بأعمالهم من الخير والشر.
١٠٩ ـ ١١٠ ـ ثم بين سبحانه حال الكفار الذين سألوه الآيات فقال : (وَأَقْسَمُوا) أي حلفوا (بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ) أي مجدين مظهرين الوفاء به (لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ) مما سألوه (لَيُؤْمِنُنَّ بِها قُلْ) يا محمد (إِنَّمَا الْآياتُ) أي الاعلام والمعجزات (عِنْدَ اللهِ) والله تعالى مالكها والقادر عليها ، فلو علم صلاحكم في انزالها لأنزلها (وَما يُشْعِرُكُمْ) الخطاب متوجه إلى المشركين (أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ) قد مرّ معناه (وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ) اخبر سبحانه انه يقلب أفئدة هؤلاء الكفار وأبصارهم عقوبة لهم في جهنم على لهب النار وحرّ الجمر (كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ) تقديره : وأقسموا بالله ليؤمنن بالآيات ، والله تعالى قد قلّب قلوبهم وأبصارهم وعلم ان فيها خلاف ما يقولون ، يقال : فلان قلّب هذا الأمر إذا عرف حقيقته ووقف عليه وقيل معناه : لو أعيدوا إلى الدنيا ثانية لم يؤمنوا كما لم يؤمنوا به أوّل مرة (وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ) أي نخليهم وما اختاروه من الطغيان فلا نحول بينهم وبينه (يَعْمَهُونَ) يترددون في الحيرة.
١١١ ـ (وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ) حتى يروهم عيانا يشهدون لنبينا بالرسالة (وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى) أي واحيينا الموتى حتى شهدوا لمحمد بالرسالة (وَحَشَرْنا) أي جمعنا (عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ) أي كل آية وقيل : كل ما سألوه (قُبُلاً) أي معاينة