وذلك أنهم قالوا للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : إنك جئت بأمر عظيم لم يسمع مثله فارجع عنه فأجابهم بهذا ، وأمره سبحانه بأن يجيبهم بهذا فقال : (قُلْ : إِنَّما أَدْعُوا رَبِّي) ، وهذا يعضد قول الحسن وقتادة لأنه كالذم لهم على ذلك.
٢١ ـ ٢٨ ـ ثم خاطب سبحانه نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال (قُلْ) يا محمد للمكلفين (إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَداً) أي لا أقدر على دفع الضرر عنكم ، ولا إيصال الخير إليكم ، وإنما القادر على ذلك هو الله تعالى ولكنّي رسول ليس عليّ إلّا البلاغ والدعاء إلى الدين ، والهداية إلى الرشاد ؛ وهذا اعتراف بالعبودية وإضافة الحول والقوة إليه تعالى ثم قال (قُلْ) لهم يا محمد (إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللهِ أَحَدٌ) أي لا يمنعني أحد مما قدره الله عليّ (وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ) أي من دون الله (مُلْتَحَداً) أي ملتجأ إليه أطلب به السلامة (إِلَّا بَلاغاً مِنَ اللهِ) أي تبليغا من الله آياته (وَرِسالاتِهِ) معناه : لا أملك لكم ضرّا ولا رشدا فما عليّ إلا البلاغ عن الله فكأنه قال : لا أملك شيئا سوى تبليغ وحي الله بتوفيقه وعونه (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ) أي خالف أمره في التوحيد ، وارتكب الكفر والمعاصي (فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً) جزاء على ذلك (حَتَّى إِذا رَأَوْا) في الآخرة (ما يُوعَدُونَ) به من العقاب في الدنيا (فَسَيَعْلَمُونَ) عند ذلك (مَنْ أَضْعَفُ ناصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً) المشركون أم المؤمنون ، وقيل : أجند الله أم الذي عبده المشركون ، وإنما قال : من أضعف ناصرا ولا ناصر لهم في الآخرة لأنه جاء على جواب من توهّم أنه إن كانت الآخرة فناصرهم أقوى ، وعددهم أكثر ، وفي هذا دلالة على أن المراد بقوله : ومن يعص الله ورسوله الكفار ، وكانوا يفتخرون على النبي صلىاللهعليهوآله بكثرة جموعهم ، ويصفونه بقلة العدد ، فبيّن سبحانه أن الأمر سينعكس عليهم (قُلْ) يا محمد (إِنْ أَدْرِي) أي لست أعلم (أَقَرِيبٌ ما تُوعَدُونَ) به من العذاب (أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً) أي مهلة وغاية ينتهي إليها (عالِمُ الْغَيْبِ) أي هو عالم الغيب يعلم متى تكون القيامة (فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً) أي لا يطلع على الغيب أحدا من عباده ، ثم استثنى فقال (إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ) يعني الرسل ، فإنه يستدل على نبوتهم بأن يخبروا بالغيب لتكون آية ومعجزة لهم (فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً) والرصد : الطريق ، أي يجعل له إلى علم ما كان قبله من الأنبياء والسلف ، وعلم ما يكون بعده طريقا ، وقيل : رصدا من بين يدي الرسول ومن خلفه وهم الحفظة من الملائكة يحرسونه عن شرّ الأعداء وكيدهم ، فلا يصل إليه شرّهم (لِيَعْلَمَ) الرسول (أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا) يعني الملائكة (رِسالاتِ رَبِّهِمْ) كما أبلغ هو إذ كانوا محروسين محفوظين بحفظ الله (وَأَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ) أي أحاط الله علما بما لدى الأنبياء والخلائق وهم لا يحيطون إلا بما يطلعهم الله عليه مما هو عند الله (وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً) أي أحصى ما خلق ، وعرف عدد ما خلق ، ولم يفته علم شيء حتى مثاقيل الذر والخردل.
سورة المزمل
مكية وآياتها عشرون آية
١ ـ ١٠ ـ (يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ) معناه : يا أيّها المتزمل بثيابه ، المتلفف بها (قُمِ اللَّيْلَ) للصلاة (إِلَّا قَلِيلاً) والمعنى : بالليل صلّ إلّا قليلا من الليل ، فإن القيام بالليل عبارة عن الصلاة بالليل (نِصْفَهُ) هو بدل من الليل فيكون بيانا للمستثنى منه ، أي قم نصف الليل ومعناه : صل من الليل النصف إلّا قليلا وهو قوله (أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً) أي من