النصف (أَوْ زِدْ عَلَيْهِ) أي على النصف ، خيّر الله سبحانه نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم في هذه الساعات للقيام بالليل وجعله موكولا إلى رأيه ، وكان النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وطائفة من المؤمنين معه يقومون على هذه المقادير (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً) أي بيّنه بيانا ، واقرأه على هينتك. قال الزجاج : والبيان لا يتم بأن تعجل في القرآن ، إنما يتم بأن تبين جميع الحروف ، وتوفي حقها من الإشباع ، وروي عن أمير المؤمنين عليهالسلام في معناه أنه قال : بيّنه بيانا ولا تهذّه هذّ الشعر ، ولا تنثره نثر الرمل ، ولكن اقرع به القلوب القاسية ، ولا يكوننّ هم أحدكم آخر السورة (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً) أي سنوحي عليك قولا يثقل عليك وعلى أمتك ، أما ثقله عليه فلما فيه من تبليغ الرسالة ، وما يلحقه من الأذى فيه ، وما يلزمه من قيام الليل ، ومجاهدة النفس ، وترك الراحة والدعة ؛ وأما ثقله على أمته فلما فيه من الأمر والنهي والحدود (إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ) معناه : ان ساعات الليل لأنها تنشأ ساعة بعد ساعة ، وقيل : نهي؟؟؟ القيام بعد النوم ، والمروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهماالسلام أنهما قالا : هي القيام في آخر الليل إلى صلاة الليل (هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً) أي أكثر ثقلا ، وأبلغ مشقة ، لأن الليل وقت الراحة والعمل يشق فيه (وَأَقْوَمُ قِيلاً) أي أصوب للقراءة ، وأثبت للقول لفراغ البال ، وانقطاع ما يشغل القلب (إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلاً) معناه : ان لك يا محمد في النهار منصرفا ومنقلبا إلى ما تقضي فيه حوائجك والمراد : ان مذاهبك في النهار ومشاغلك كثيرة فإنك تحتاج فيه إلى تبليغ الرسالة ، ودعوة الخلق ، وتعليم الفرائض والسنن ، وإصلاح المعيشة لنفسك وعيالك ، وفي الليل يفرغ القلب للتذكر والقراءة ، فاجعل ناشئة الليل لعبادتك لتأخذ بحظك من خير الدنيا والآخرة ؛ وفي هذا دلالة على أنه لا عذر لأحد في ترك صلاة الليل لأجل التعليم والتعلم لأن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يحتاج إلى التعليم أكثر مما يحتاج الواحد منا إليه ، ثم لم يرض سبحانه أن يترك حظّه من قيام الليل (وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ) يعني بالدعاء وقيل : اقصد بعملك وجه ربك (وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً) أي أخلص له إخلاصا في الدعاء والعبادة وقيل : انقطع إليه انقطاعا (رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ) أي رب العالم بما فيه ، لأنه بين المشرق والمغرب ، أي المتصرف فيما بينهما ، والمدبر لما بينهما (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) أي لا أحد تحق له العبادة سواه (فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً) معناه : فاتخذه كافيا لما وعدك به ، واعتمد عليه ، وفوّض أمرك إليه تجده خير حفيظ وكاف (وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ) لك يعني الكفار من التكذيب والأذى ، والنسبة إلى السحر والكهانة (وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً) والهجر الجميل : اظهار الموجدة عليهم من غير ترك الدعاء إلى الحق على وجه المناصحة. وفي هذا دلالة على وجوب الصبر على الأذى لمن يدعو إلى الدين ، والمعاشرة بأحسن الأخلاق ، وإستعمال الرفق ليكونوا أقرب إلى الإجابة.
١١ ـ ١٩ ـ ثم قال سبحانه مهدّدا للكفار (وَذَرْنِي) يا محمد (وَالْمُكَذِّبِينَ) الذين يكذّبونك فيما تدعوهم إليه من التوحيد وإخلاص العبادة ، وفي البعث والجزاء ، وهذا كما يقول القائل : دعني وإياه ، إذا أراد أن يهدّده (أُولِي النَّعْمَةِ) يعني المتنعمين ذوي الثروة في الدنيا ، أي كل جزاءهم إليّ ، ولا تشغل قلبك بمجازاتهم (وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً) وهذا أيضا وعيد لهم ولم يكن إلّا يسيرا حتى كانت وقعة بدر (إِنَّ لَدَيْنا أَنْكالاً) أي عندنا قيودا في الآخرة عظاما لا تفكّ أبدا (وَجَحِيماً) وهو اسم من أسماء جهنم (وَطَعاماً ذا غُصَّةٍ) أي ذا شوك يأخذ الحلق فلا يدخل ولا يخرج (وَعَذاباً أَلِيماً) أي عقابا موجعا مؤلما. ثم بيّن سبحانه متى يكون ذلك فقال (يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ) أي تتحرّك باضطراب شديد (وَالْجِبالُ) أي وترجف