بقتالهم وبشّرهم بالنصر والظفر عليهم فقال (قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ) قتلا وأسرا (وَيُخْزِهِمْ) أي ويذلهم (وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ) أي ويعنكم أيها المؤمنون عليهم (وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ) يعني صدور بني خزاعة الذين بيّت عليهم بنو بكر (وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ) معناه : ويكون ذلك النصر شفاء لقلوب المؤمنين التي امتلأت غيظا لكثرة ما نالهم من الأذى من جهتهم. ثم استأنف سبحانه فقال (وَيَتُوبُ اللهُ عَلى مَنْ يَشاءُ) أي ويقبل توبة من تاب منهم بتوبتهم مع فرط تعدّيهم رحمة وفضلا (وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) عليم بتوبتهم إذا تابوا ، حكيم في أمركم بقتالهم إذا نكثوا قبل أن يتوبوا ويرجعوا لأن أفعاله كلها صواب وحكمة ، وفي هذا دلالة على نبوة نبينا (ص) لأنه وافق خبره المخبر.
١٦ ـ ثم نبّه سبحانه على جلالة موقع الجهاد فقال (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا) معناه : اظننتم أيها المؤمنون أن تتركوا من دون أن تكلّفوا الجهاد في سبيل الله مع الإخلاص (وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ) معناه : ولما يظهر ما علم الله منكم (وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللهِ وَلا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً) أي ولم يعلم الله الذين لم يتخذوا سوى الله وسوى رسوله والمؤمنين بطانة وأولياء يوالونهم ويفشون إليهم أسرارهم ، وفي هذا دلالة على تحريم موالاة الكفار والفساق (وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) أي عليم بأعمالكم فيجازيكم عليها.
١٧ ـ ١٨ ـ لما أمر الله سبحانه بقتال المشركين وقطع العصمة والموالاة عنهم أمر بمنعهم عن المساجد فقال (ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللهِ) معناه : لا ينبغي للمشركين أن يكونوا قواما على عمارة مساجد الله ومتولين الأمرها ، وينبغي أن يعمرها المسلمون (شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ) أي حال شهادتهم على أنفسهم بالكفر ، واختلف في العمارة للمسجد فقيل : هي بدخوله ونزوله كما يقال : فلان يعمر مجلس فلان إذا أكثر غشيانه ، لأن المسجد تكون عمارته بطاعة الله وعبادته وقيل : هي باستصلاحه ورم ما استرم منه لأنه إنما يعمر للعبادة وقيل : هي بأن يكونوا من أهله ، أي لا ينبغي أن يترك المشركون فيكونوا أهل المسجد الحرام. وشهادتهم على أنفسهم بالكفر : هي أن المشرك إذا سئل مادينك؟ يقول : مشرك ، لا يقولها أحد غير العرب (أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ) التي هي من جنس الطاعة من المؤمنين ، أي بطلت لأنهم أوقعوها على الوجه الذي لا يستحق لأجله الثواب عليها عند الله (وَفِي النَّارِ هُمْ خالِدُونَ) أي مقيمون مؤبّدون (إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللهِ) ولفظة إنما لإثبات المذكور ونفي ما عداه ، فمعناه : لا يعمر مساجد الله بزيارتها وإقامة العبادات فيها ، أو ببنائها ورمّ المسترم منها إلّا (مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) أي من أقرّ بوحدانية الله ، واعترف بالقيامة (وَأَقامَ الصَّلاةَ) بحدودها (وَآتَى الزَّكاةَ) أي اعطاها إن وجبت عليه إلى مستحقيها (وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللهَ) أي لم يخف سوى الله أحدا من المخلوقين ، وهذا راجع إلى قوله : (أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ) ، أي إن خشيتموهم فقد ساويتموهم في الإشراك كما قال : (فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللهِ) الآية (فَعَسى أُولئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ) إلى الجنة ونيل ثوابها لأن عسى من الله واجبة عن ابن عباس والحسن وفي ذكر الصلاة والزكاة وغير ذلك بعد الإيمان بالله دلالة على أن الإيمان لا يتناول أفعال الجوارح إذ لو تناولها لما جاز عطف ما دخل فيه.
١٩ ـ النزول : نزلت في علي بن أبي طالب عليهالسلام والعباس بن عبد المطلب ، وطلحة بن شيبة ، وذلك أنهم افتخروا فقال طلحة : أنا صاحب البيت وبيدي مفتاحه ولو أشاء بتّ فيه ، وقال العباس : أنا صاحب السقاية والقائم عليها