(وَقالُوا لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ) أي لا نسأل نحن عن أعمالكم ، ولا تسألون أنتم عن أعمالنا وقيل معناه : لنا ديننا ولكم دينكم ، وقيل : لنا حلمنا ولكم سفهكم (سَلامٌ عَلَيْكُمْ) أي أمان منّا لكم أن نقابل لغوكم بمثله وقيل : هي كلمة حلم واحتمال بين المؤمنين والكافرين ، وقيل : هي كلمة تحية بين المؤمنين ، عن الحسن (لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ) أي لا نطلب مجالستهم ومعاونتهم ، وإنما نبتغي الحكماء والعلماء. وقيل معناه : لا نريد أن نكون من أهل الجهل والسفه ، عن مقاتل ، وقيل : لا نبتغي دين الجاهلين ، ولا نحبهم ، عن الكلبي.
٥٦ ـ ٦٠ ـ لمّا تقدّم ذكر الرسول والقرآن ، وأنه أنزل هدى للخلق ، بيّن سبحانه أنه ليس عليه الإهتداء وإنما عليه البلاغ ، والأداء فقال (إِنَّكَ) يا محمد (لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ) هدايته وقيل : من أحببته لقرابته والمراد : بالهداية هنا اللطف الذي يختار عنده الإيمان فإنه لا يقدر عليه إلا الله تعالى ، لأنه اما أن يكون من فعله خاصة أو بإعلامه ولا يعلم ما يصلح المرء في دينه إلا الله تعالى ، فإن الهداية التي هي الدعوة والبيان قد أضافها سبحانه إليه في قوله : (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) وقيل : المراد بالهداية في الآية الإجبار على الإهتداء ، أي أنت لا تقدر على ذلك وقيل معناه : ليس عليك اهتداؤهم وقبولهم الحق (وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) بلطفه وقيل على وجه الإجبار (وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) أي القابلين للهدى فيدبر الأمور على ما يعلمه من صلاح العباد. ثم قال سبحانه حاكيا عن الكفار (وَقالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا) أي نستلب من أرضنا ، يعني أرض مكة والحرم وقيل : إنما قاله الحرث بن نوفل بن عبد مناف فإنه قال للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : انا لنعلم ان قولك حق ولكن يمنعنا أن نتبع الهدى معك ، ونؤمن بك مخافة أن يتخطفنا العرب من أرضنا ولا طاقة لنا بالعرب. فقال سبحانه رادّا عليه هذا القول (أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً) أي أو لم نجعل لهم مكة في أمن وأمان قبل هذا ، ودفعنا ضرر الناس عنهم حتى كانوا يأمنون فيه ، فكيف يخافون زواله الآن ، أفلا نقدر على دفع ضرر الناس عنهم لو آمنوا؟ بل حالة الإيمان والطاعة أولى بالأمن والسلامة من حالة الكفر (يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ) أي تجمع إليه ثمرات كل أرض وبلد (رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا) أي اعطاء من عندنا جاريا عليهم (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) ما أنعمنا به عليهم وقيل : لا يعلمون الله ولا يعبدونه فيعلموا ما يفوتهم من الثواب (وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ) أي من أهل قرية (بَطِرَتْ مَعِيشَتَها) أي في معيشتها بأن أعرضت عن الشكر وتكبّرت والمعنى أعطيناهم المعيشة الواسعة فلم يعرفوا حق النعمة وكفروا فأهلكناهم (فَتِلْكَ مَساكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلاً) تلك اشارة إلى ما يعرفونه هم من ديار عاد وثمود وقوم لوط ، أي صارت مساكنهم خاوية خالية عن أهلها وهي قريبة منكم ، فإن ديار عاد إنما كانت بالأحقاف ، وهو موضع بين اليمن والشام ، وديار ثمود بوادي القرى ، وديار قوم لوط بسدوم ، وكانوا هم يمرّون بهذه المواضع في تجاراتهم (وَكُنَّا نَحْنُ الْوارِثِينَ) أي المالكين لديارهم لم يخلفهم أحد فيها (وَما كانَ رَبُّكَ) يا محمد (مُهْلِكَ الْقُرى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها رَسُولاً) يريد معظم القرى من سائر الدنيا (يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا) أي يقرأ عليهم حججنا وبيناتنا (وَما كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرى إِلَّا وَأَهْلُها ظالِمُونَ) لنفوسهم بالكفر والطغيان ، والعتو والعصيان (وَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ) أي وما أعطيتموه من شيء (فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَزِينَتُها) أي هو شيء تتمتعون به في الحياة وتتزيّنون به (وَما عِنْدَ اللهِ) من الثواب ونعيم الآخرة (خَيْرٌ) من هذه النعم (وَأَبْقى) لأنها فانية ونعم الآخرة باقية (أَفَلا تَعْقِلُونَ) ذلك وتتفكرون فيه حتى تميزوا بين الباقي والفاني.