ولما ارتحل النبي
الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم ، والتحق بالرفيق الأعلى ، وقف
المسلمون على أنّ فهم القرآن وإفهامه يتوقف على تدوين علوم تسهل التعرّف على القرآن الكريم ، ولأجل ذلك قاموا بعملين ضخمين في مجال القرآن : الأوّل :
تأسيس علوم الصرف والنحو واللغة والاشتقاق وما شابهها ، لتسهيل التعرّف على مفاهيم ومعاني القرآن الكريم أوّلاً ، والسنّة النبوية ثانياً ، وإن
كانت تقع في طريق أهداف أُخرى أيضاً لكن الغاية القصوى من القيام بتأسيسها وتدوينها ، هو فهم القرآن وإفهامه. الثاني :
وضع تفاسير لمختلف الأجيال حسب الأذواق المختلفة لاستجلاء مداليله ، ومن هنا لا نجد في التاريخ مثيلاً للقرآن الكريم من حيث شدّة اهتمام أتباعه به ، وحرصهم على ضبطه ، وقراءته ، وتجويده ، وتفسيره ، وتبيينه. وقد ضبط تاريخ
التفسير أسماء ما ينوف على ألفين ومائتي تفسير وعند المقايسة يختص ربع هذا العدد بالشيعة الإمامية (١). هذا ما توصّل إلى
إحصائه المحقّقون من طريق الفهارس ومراجعة المكتبات ______________________ ١. لاحظ معجم المفسّرين
لـ « عادل نويهض » وطبقات المفسّرين لـ « الحافظ شمس الدين الداودي » المتوفّى عام ٩٤٥ هـ ، وما ذكرنا من الإحصاء مأخوذ من « معجم المفسرين » ، كما أنّ
ما ذكرنا من أنّ ربع هذا العدد يختص بالشيعة مأخوذ من ملاحظة ما جاء في كتاب « الذريعة إلى تصانيف الشيعة » من ذكر ٤٥٠ تفسيراً للشيعة. ولكن الحقيقة فوق ذلك
، فإنّ كلّ ما قام به علماء الشيعة في مجال التفسير باللغات المختلفة في العصر الحاضر لم يذكر في الذريعة ، ولأجل ذلك يصح أن يقال : إنّ ثلث هذا العدد
يختص بالشيعة ، كما أنّه فات صاحب « معجم المفسرين » ذكر عدّة من كتب التفسير للشيعة
الإمامية وإن كان تتبعه جديراً للتقدير. ولقد أتينا بذكر أُمّة كبيرة من المفسرين الشيعة من عصر
الصحابة والتابعين إلى يومنا هذا ، من الذين قاموا بتفسير القرآن بألوان مختلفة ، في
تقديمنا لكتاب « التبيان » لشيخ الطائفة الطوسي قدسسره
وقد طبع مع الجزء الأوّل. كما طُبع أيضاً في نهاية الجزء العاشر من موسوعاتنا التفسيرية « مفاهيم القرآن ».