ولو كانت وظيفتهم مقتصرة على الإيمان من دون العلم به كان الأنسب بل المناسب أن يقول والراسخون في الإيمان.
وعلى ضوء ما ذكرنا فالجملة معطوفة على لفظ الجلالة وتفسر الآية بالشكل التالي :
( وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ).
أي لكن الراسخين في العلم يقولون « آمنا بالمتشابه » كإيماننا بالمحكم ، فيأخذون بكلتا الآيتين بحجة « كل من عند ربّنا » ولكن الذي في قلوبهم زيغ يأخذون بخصوص المتشابه للغايتين الفاسدتين دون المحكم ، فكأنّه سبحانه لم ينزل إلّا المتشابه ، فالإيمان بالمتشابه الذي جاء في قوله « آمنّا به » لا يدلّ على أنّ الراسخين يؤمنون به دون أن يعلموا ، وذلك لأنّ ذكر إيمانهم بهما لغاية ردّ أصحاب الزيغ حيث يؤمنون بواحد منهما واختصاص الإيمان به بالراسخين لا انّه لا شأن لهم سوى الإيمان دون العلم.
وعلى ذلك فليس فيه إشعار على اختصاصهم بالإيمان دون العلم.
هذا ما يفهمه كلّ من له إلمام بالأدب العربي وكلمات البلغاء والفصحاء فلا يشك في العطف.
وأمّا ما هو موضع قوله : ( يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا ) إذا كان مفصولاً عما تقدّم.
والجواب واضح وهو انّه جملة حالية ، قال الزمخشري : « يقولون » كلام مستأنف موضح لحال الراسخين.
بقي الكلام في ما هو المقصود من تأويل المتشابه ، وإراءة نماذج منه ، وهذا هو الذي نتطرّق إليه في الفصل التالي.