القول في تأويل قوله تعالى :
(إِنْ تَتُوبا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ) (٤)
(إِنْ تَتُوبا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما) أي إلى الحق. وهو ما وجب من مجانبة ما يسخط رسوله. وقد صح عن ابن عباس أنه سأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، عن المتظاهرتين على رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : عائشة وحفصة.
وفي خطابهما ، على الالتفات من الغيب إلى الخطاب ، مبالغة ، فإن المبالغ في العتاب يصير المعاتب مصرودا بعيدا عن ساحة الحضور. ثم إذا اشتد غضبه توجه إليه وعاتبه بما يريد. (وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ) أي تتظاهرا وتتفقا على ما يسوؤه ، (فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ) أي متظاهرون على من أراد مساءته ، فماذا يفيد تظاهر امرأتين على من هؤلاء ظهراؤه؟ ولما كانت الملائكة أعظم المخلوقات وأكثرهم ، ختم الظهراء بهم ليكون أفخم في التنويه بالنبيّ صلوات الله عليه ، وعظم مكانته ، والانتصار له ، إذ هي هنا بمثابة جيش جرار ، يملأ القفار ، يتأثر أميره وقائده ، ليحمل على عدوّه ومناوئه.
القول في تأويل قوله تعالى :
(عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ قانِتاتٍ تائِباتٍ عابِداتٍ سائِحاتٍ ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً) (٥)
(عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِماتٍ) أي خاضعات لله بالطاعة (مُؤْمِناتٍ) أي مصدّقات بالله ورسوله (قانِتاتٍ) أي مطيعات لما يؤمرن به (تائِباتٍ) أي من الذنوب لا يصررن عليها (عابِداتٍ) أي متعبّدات لله ، كأن العبادة امتزجت بقلوبهن ، حتى صارت ملكة لهن (سائِحاتٍ) قيل : معناه صائمات ـ وسننبه على ما فيه ـ (ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً).
اعلم أن في توصيف المبدلات بهذه الصفات ، تعريضا بوجوب اتصاف الأزواج بها ، لا سيما أزواج النبيّ صلىاللهعليهوسلم.
تنبيه :
ذهب كثير من المفسرين إلى أن المراد من (سائحات) صائمات أو مهاجرات. وقد قدمنا في سورة التوبة في تفسير (السائحون) أن الحق فيه هو المعنى الحقيقيّ ،