لهم ، وكفرهم بالله ورسوله ، قطع العلائق ، وبت الوصل ، وجعلهم أبعد من الأجانب وأبعد ، وإن كان المؤمن الذي يتصل به الكافر ، نبيّا من أنبياء الله ـ بحال امرأة نوح وامرأة لوط لما نافقتا وخانتا الرسولين لم يغن الرسولان عنهما ، بحق ما بينهما وبينهما من وصلة الزواج ، إغناء ما من عذاب الله. ومثل حال المؤمنين في وصلة الكافرين لا تضرهم ، ولا تنقص شيئا من ثوابهم وزلفاهم عند الله ـ بحال امرأة فرعون ، ومنزلتها عند الله تعالى ، مع كونها زوجة أعدى أعداء الله ، الناطق بالكلمة العظمى. ومريم ابنة عمران ، وما أوتيت من كرامة الدنيا والآخرة والاصطفاء على نساء العالمين ، مع أن قومها كانوا كفارا. وفي طيّ هذين التمثيلين تعريض بأمّي المؤمنين المذكورتين في أول السورة ، وما فرط منهما من التظاهر على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، بما كرهه ، وتحذير لهما على أغلظ وجه وأشده ، لما في التمثيل من ذكر الكفر. ونحوه في التغليظ قوله تعالى : (وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ) [آل عمران : ٩٧] ، وإشارة إلى أن من حقهما أن تكونا في الإخلاص والكمال فيه كمثل هاتين المؤمنتين ، وأن لا تتكلا على أنهما زوجا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فإن ذلك الفضل لا ينفعهما إلا مع كونهما مخلصتين. والتعريض بحفصة أرجح ، لأن امرأة لوط أفشت عليه كما أفشت حفصة على رسول الله. وأسرار التنزيل ورموزه في كل باب ، بالغة من اللطف والخفاء حدّا يدق عن تفطن العالم ويزل عن تبصره. انتهى.
الثاني : قال الإمام ابن القيم في (أعلام الموقعين) اشتملت هذه الآيات على ثلاثة أمثال : مثل للكفار ، ومثلين للمؤمنين.
فتضمن مثل الكفار أن الكافر يعاقب على كفره وعداوته لله ورسوله وأوليائه ، ولا ينفعه مع كفره ما كان بينه وبين المؤمنين من لحمة نسب ، أو وصلة صهر ، أو سبب من أسباب الاتصال. فإن الأسباب كلها تنقطع يوم القيامة ، إلا ما كان منها متصلا بالله وحده على أيدي رسله ، فلو نفعت وصلة القرابة والمصاهرة أو النكاح ، مع عدم الإيمان ، لنفعت الوصلة التي كانت بين نوح ولوط وامرأتيهما. فلما لم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين. قطعت الآية حينئذ طمع من ركب معصية الله ، وخالف أمره ، ورجا أن ينفعه صلاح غيره من قريب أو أجنبيّ ، ولو كان بينهما في الدنيا أشد الاتصال. فلا اتصال فوق اتصال البنوة والأبوة والزوجية ، ولم يغن نوح عن ابنه ، ولا إبراهيم عن أبيه ، ولا نوح ولوط عن امرأتيهما من الله شيئا. قال تعالى : (لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ ، يَوْمَ الْقِيامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ) [الممتحنة : ٣] ، وقال تعالى : (يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً) [الانفطار : ١٩] ،